هكذا تطورت العلاقة الإستراتيجية بين رئيس المجلس وفرنجية
حين تنام بنشعي بين «جفون» عين التينة
ليس الحلف بين الرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية جديدا، بل هو «عتيق» وثابت، قبل 8 آذار.. وبعده.
لكن الظروف التي رافقت المعركة الرئاسية الاخيرة أفضت الى تفعيل هذا الحلف، وإضفاء الكثير من الحرارة السياسية والشخصية عليه، خصوصا منذ اللحظة التي أصبح فيها فرنجية مرشحا اساسيا الى رئاسة الجمهورية.
بسرعة، «التقط» بري لحظة ترشيح فرنجية، وسعى جاهدا الى تسويقه في العلن.. والسر. لم يُخفِ رئيس المجلس حماسته لهذا الخيار وقناعته الراسخة به استنادا الى مرافعة سياسية متكاملة، بمعزل عن حسابات الربح والخسارة. استخدم رصيده من أجل تعزيز أوراق مرشحه وتحسين حظوظه، وحاول في المجالس الخاصة إقناع «حزب الله» بجدوى دعم المرشح الزغرتاوي، مع تفهمه لدوافع الحزب الكامنة خلف قراره بتأييد ترشيح العماد ميشال عون.
ذهب بري أبعد من الساحة المحلية. أوفد معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل إلى طهران. التقى هناك معظم المسؤولين الايرانيين وقدم لهم الأسباب الموجبة التي تجعل فرنجية يتقدم على غيره من المرشحين. دافع عن خيار فرنجية أمام السفراء العرب والأجانب من دون استثناء.
في المقابل، بدا فرنجية حريصا على عدم تجاوز رئيس المجلس في أي تفصيل يتعلق بمعركته الانتخابية وكواليسها، حيث عمد الى تنشيط قناة التنسيق والتواصل معه على قاعدة الشفافية والوضوح، سواء مباشرة او عبر الموفدين الذين كانوا يلتقون الوزير علي حسن خليل. وكان فرنجية مهتما طيلة الفترة الماضية بوضع عين التينة في أجواء كل المراحل التفاوضية التي مرّ فيها، بدءا من لقاء باريس الشهير الذي أفضى الى دعم الرئيس سعد الحريري لوصوله الى قصر بعبدا، مرورا بكل التطورات اللاحقة وما رافقها من مد وجزر.
بقي بري ثابتا على خياره، حتى حين بدا له ان فوز الجنرال بالرئاسة بات حتميا. ساعات قليلة قبل التئام جلسة الانتخاب، كانت كتلة «التنمية والتحرير» تجتمع برئاسة بري وتصدر بيانا تؤكد فيه مضيها في التصويت لفرنجية، الى ان زار رئيس «المردة» عين التينة وتمنى على رئيس المجلس استبدال التصويت له بالاقتراع بالورقة البيضاء، وهكذا كان.
وإزاء هذه المقاربة المشتركة لواحد من أهم الاستحقاقات الوطنية، تعززت الثقة بين بري وفرنجية أكثر من أي وقت مضى، واكتسبت العلاقة التحالفية بينهما قوة دفع إضافية، امتدت مفاعيلها لاحقا من الرئاسة الى مفاوضات التأليف الحكومي التي ظهر فيها بري «مَرَدِيَّ» الهوى، في إصراره على نيل بنشعي حقيبة أساسية، الى حد ربطه المشاركة في الحكومة بحصول فرنجية على مطلبه، بعدما تحولت هذه الحقيبة من مجرد حصة وزارية الى موقع دفاعي متقدم عن الخط الذي يمثله فرنجية مسيحيا في مقابل حلف «التيار الحر» ـ «القوات اللبنانية» بكل مفاعيله السياسية.
وإضافة الى ذلك، يشعر بري ـ كما «حزب الله» ـ ان الحد الادنى من الإنصاف لمن كانت الرئاسة في متناوله، يقتضي التضامن معه في مسعاه لانتزاع وزارة تليق بموقع تياره وبالحيثية التي بات يمثلها فرنجية بعد تجربة الترشيح الرئاسي.
يُقدِّر فرنجية الوقفة التاريخية لبري الى جانبه، وهي وقفة تركت الأثر الكبير في أوساط «المردة»، قيادة وقواعد، حيث تحظى مواقف رئيس المجلس بالكثير من الارتياح والاشادة. وما تجدر ملاحظته على هذا الصعيد هو ان الجانب الوجداني في العلاقة بين بري وفرنجية بات أقوى حضورا وتأثيرا، ربطا بالمعركة المشتركة التي خاضاها رئاسيا، والمستمرة حكوميا.
وقد بلغت «المونة» المتبادلة درجة اقتراح بري بان يتم التعامل مع ما يطلبانه، هو وفرنجية، كرزمة او سلة واحدة، على ان يأخذ على عاتقه اقناع رئيس «المردة» بنيل هذه الحقيبة الوزارية او تلك.
ويقول المقربون من فرنجية ان السياسة بالنسبة اليه لا تُختصر فقط بالمصالح والحسابات، بل ان للشق الشخصي حيزا لديه ايضا، انطلاقا من الصفات التي يتحلى بها، وكم من مرة، على سبيل المثال، غلّب الوفاء على مكسب آني، خلافا للتقاليد السياسية الشائعة في لبنان، بالتالي فهو يشعر بان ما يجمعه مع رئيس المجلس أصبح يتجاوز حدود حسابات الربح والخسارة الى أبعد وأعمق من ذلك.
ويشير هؤلاء الى ان فرنجية يتعامل مع بري باعتباره شخصية محورية ومفصلية في المعادلة الداخلية، وبالتالي هو يشكل بالنسبة اليه حليفا استراتيجيا وليس حليف الحليف، كما هي حال البعض معه.