إحتلّ مخيّم النزوح الصدارة. كان على جدول أعمال ميخائيل بوغدانوف، وجان فرنسوا جيرو، وفيديريكا موغيريني. توسّعَ نائب وزير الخارجيّة الروسي بالأسئلة، قال في دردشة خاصّة: «أسعى لأن يكون لدى موسكو وضوحٌ تامّ في تعاطيها مع كلّ الملفات المتصلة بالأزمتين السوريّة واللبنانية».
– ماذا عن مشكلة النزوح؟
– إنّه ملف شائك في صلب اهتمامنا. ثمّ استدركَ: أما كنتم تطالبون بمخيّم كبير؟
– … وهل من إمكانية؟
أجاب ضاحكاً: «ألا تقولون في لبنان «للبحث صلة؟».
يقول وزير الشؤون الاجتماعيّة رشيد دربّاس، «إنّ أفكاراً عدّة قد طُرحت خلال مؤتمر جنيف الأخير الخاص بالنازحين، من بينها التوطين، وعندما سألت عن تعريف دقيق لهذا البند، كان الجواب إستضافة النازحين في مخيّمات تحت مظلّة من العناية والرعاية الدوليّة، إلى حين إنضاج التسوية السياسيّة في سوريا».
يبدو أنّ الكلام في وزارة الخارجيّة والمغتربين مختلف. ما يقوم به الوزير جبران باسيل من حراك ديبلوماسي هدفُه «توزيع العبء على الدوَل المتمكّنة مساحةً، واقتصاداً. موقفُنا واضح، لبنان لا يستطيع الاستيعاب، ولن نقبل بتغيير ديموغرافي يُفرَض علينا تحت شعارات إنسانيّة».
في الخارجيّة أيضاً كلامٌ عن المخيّم الكبير. الفكرة ليست من عنديّات بوغدانوف، لكنّه أثار الموضوع. الفكرة انطلقَت من الأمم المتحدة، واقترحَتها المنظمات الدوليّة المتخصّصة بأوضاع اللاجئين والنازحين، وطُرحت في أكثر من مؤتمر دولي وإقليمي، لكنّ عمليّة التثمير والإنجاز لم تُبَتّ نظراً لعقبات خمس:
الأولى، إنّ الحكومة اللبنانية لا تملك مجتمِعةً تصوّراً واضحاً ونهائيّاً ليُبنى على الشيء مقتضاه.
الثانية، عندما طُرحت فكرة المخيّم الكبير على الحدود اللبنانية – السوريّة، كانت اعتراضاتٌ، أبرزُها من دمشق: «عليكم أن تتحدّثوا معنا أوّلاً… وإلّا فلا مخيّم، إذا لم يكن هناك تنسيق واضح وعلَني ما بين الحكومتين». والرئيس تمام سلام لا يستطيع المجازفة بفتح قنوات الإتصال، ووراءَه الوزيران أشرف ريفي ونهاد المشنوق، وتيار «المستقبل».
الثالثة، الخلاف الشيعي – السنّي على البقعة الجغرافيّة التي يُفترَض أن تستضيف هذا «المخيّم – المدينة»، وما قد يشكّله من خَلل في التوازن المذهبي، فضلاً عن تداعياته السياسيّة والأمنية والاقتصاديّة والاجتماعية والمعيشيّة الخطيرة في تلك البيئة البقاعيّة.
الرابعة، إستثمار ورقة النزوح واستغلالها في التجاذب الذي كان محتدِماً ما بين قطر والمملكة العربيّة السعوديّة وبعض دوَل مجلس التعاون الأخرى. واستثمار هذه الورقة واستغلالها في التجاذب السنّي – الشيعي ما بين دوَل مجلس التعاون الخليجي وإيران.
الخامسة، الموقف «المتذبذب» للمنظّمات الدوليّة والدوَل المانحة من النزوح. لقد سُيِّس الموضوع على نطاق واسع، واختلّ توازن الالتزامات، سواءٌ في الدفع وتسديد الأنصبة، والحصص الماليّة، أو في الغموض الكبير الذي يكتنف أسلوب التعاطي مع الأزمة السوريّة.
وعلى رغم كثرة المؤتمرات وقصاصات الورق من البيانات والقرارات، فإنّ الصدقيّة والشفافيّة قد غابتا عن الالتزامات، وأصبحَتا في مكان آخر، إلى حدٍّ أنّ المجتمع الدولي بدأ يُهمل هذا الملف شيئاً فشيئاً، وعندما يأتي البعض على تحريكه، فإنّما يفعل من منطلق مصالحِه الخاصة.
أثارَ ضيوف لبنان من الديبلوماسيين واقعَ النزوح. ركَّز عليه بوغدانوف من زاويتين: إنّه جزء لا يتجزّأ من الدور الروسي لجَمع ممثّلين عن النظام والمعارضة في موسكو للبَدء بحوار حول مخرَج، أو تسوية ما للأزمة.
إنّ واقعَ الشعب السوري ومصيره يشكّلان المفتاح والمنطلق لأيّ حوار. أكثر من ستة ملايين نازح داخل سوريا، يوازي هذا العدد في لبنان، والأردن، وتركيا، وسائر الدوَل القريبة والبعيدة.
والمحادثات التي بدأها في بيروت ودمشق كان الهدف منها فتح قنوات ما بين الحكومتين اللبنانية والسورية تقتضيها «المصالح العليا المشتركة»، أو إحداث «خليّة أزمة مشتركة» تنشَط سرّياً، وتسعى إلى تطبيع ملفّات كثيرة، والقضايا العالقة بينها إحداث مخيّم عصري كبير في منطقة فاصلة على الحدود المشتركة، يستوعب غالبيّة النازحين، إنْ لم يكن جميعَهم، تحت رعاية وعناية أمميّة تشمل الأمن والشؤون الصحّية والتربويّة والاجتماعيّة، وبتنسيق صريح ومباشر مع الحكومتين اللبنانية والسورية لضبط الأوضاع، وحسن انتظامها.
هل من معطى جدّي وإيجابي يمكن البناء عليه؟
يجيب مصدر لبناني متابع: «لا يمكن أن تنجحَ الديبلوماسيّة الروسيّة في إطلاق «موسكو 1»، بديلاً من «جنيف 3»، إلّا إذا أخذ النزوح حقّ الصدارة في الدرس والاهتمام… وفي انتظار التسوية التي لا تزال حتى الآن مجرّد سراب، لا بدّ من المخيّم لضبط إيقاعات وتداعيات النازحين في لبنان.