على رغم اهتمام دوائر السياسة الروسية بملفات الشرق الأوسط، وفي مقدمها الازمة السورية والقضية الفلسطينية وملف ايران النووي والاوضاع في العراق، إلّا أنّ لبنان لا يغيب عن اهتمامات موسكو التي تعتبره أحد مفاتيح الحلّ المهمة في المنطقة.
بعد زيارة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق لموسكو في أيلول الماضي ولقائه عدداً من المسؤولين الروس الكبار، حيث ناقش معهم سبل تطوير التعاون الأمني بين البلدين، جاءت زيارة رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بداية الشهر الماضي للعاصمة الروسية لتفتح النقاش في الشق السياسي بين موسكو وبيروت، خصوصاً لجهة الاستحقاقات الدستورية في البلاد.
وما بين هاتين الزيارتين، أتت زيارة وفد عسكري لبناني رفيع المستوى لموسكو للبحث في السلاح الذي يمكن أن توفّره من مساعدات وهبات للأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية في مواجهة ظاهرة الارهاب، اضافة الى صفقة سلاح ستُموّل من الهبة التي قدمتها المملكة العربية السعودية للجيش اللبناني.
وحالياً، يُحدّد عدد من الضباط اللبنانيين المختصين في موسكو متطلبات لبنان العسكرية تمهيداً لتوقيع تفاصيل تلك الصفقة التي يُتوقع أن تسلّمها روسيا للبنان بداية السنة المقبلة. ووفق المعلومات المتوافرة، فإنّ الصفقة تشمل أسلحة وذخائر وعتاداً ودبابات ومروحيات وصواريخ قصيرة المدى مخصصة لمواجهة البؤر الإرهابية. وبحسب مصادر روسية متابعة للصفقة، فإنّ موسكو سترفق هبتها العسكرية للجيش مع ما سيتمّ تحديده في الصفقة.
وعلى وقع ارتفاع وتيرة طرح الملفات اللبنانية في روسيا، السياسية والعسكرية والأمنية، من المتوقع أن يزور وزير العدل اللواء اشرف ريفي موسكو منتصف الشهر الجاري لتوقيع ثلاثة اتفاقات في مجالات التعاون القضائي مع نظيره الروسي الكسندر كونوفالوف.
بالطبع لن تغيب السياسة عن لقاءات ريفي، خصوصاً أنّ الرجل ينتمي الى تيار سياسي يلعب دوراً محورياً في لبنان، زد على ذلك، فإنّ الرئيس سعد الحريري لم يزر موسكو منذ نهاية عام 2010، كما وأنّ لريفي باعاً طويلة وخبرة في المجال الأمني، لذلك فمن المتوقع أن تكون خريطة السياسة اللبنانية محوراً مهماً في لقاءاته الروسية.
الاهتمام الروسي لا يتوقف عند هذا الحدّ، إذ إنّ أروقة الخارجية الروسية قد أنهت الإعداد لزيارة المبعوث الخاص للرئيس الروسي الى الشرق الأوسط، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف الى بيروت اليوم للمشاركة في فعاليات الذكرى السبعين لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين.
وعلى رغم أنّ الخارجية الروسية لم تكشف عن لقاءات بوغدانوف في لبنان، فإنّ الرجل سيعقد حتماً سلسلة لقاءات مع القيادات الرسمية والسياسية في البلاد كما جرت العادة خلال زياراته الماضية، خصوصاً أنه يأتي هذه المرة حاملاً آخر ما توصلت اليه الديبلوماسية الروسية على خط تسوية الازمة السورية.
أوساط الخارجية الروسية تضع زيارة بوغدانوف للبنان في خانة الاطلاع عن كثب على تطورات الأوضاع السياسية، وذلك من خلال اللقاءات التي سيعقدها مع قيادات الصف الاول من مختلف التيارات والأحزاب السياسية اللبنانية.
وتؤكد هذه الأوساط أنّ بوغدانوف سيعرض على المعنيين في لبنان آخر ما توصلت اليه الديبلوماسية الروسية في اتصالاتها مع طرفَي الأزمة السورية، في اعتبار أنّ موسكو تدرك جيداً أنّ الأحداث التي يشهدها لبنان منذ أعوام سببها الوضع المتأزم في سوريا. وتشير الى أنّ بوغدانوف سيجدّد في بيروت تأكيد موقف موسكو الداعي للعودة الى الحوار الوطني سبيلاً وحيداً للحل، ولتجنيب البلاد الاهتزازات التي تعصف بالمنطقة.
وتؤكد الاوساط نفسها أنّ القيادة الروسية مقتنعة بأنّ أيّ تقدم إيجابي على طريق الحلّ السياسي في سوريا سينعكس إيجاباً على الحياة السياسية والأمنية في لبنان، وسيُخفّف الاحتقان بين الأطراف اللبنانية.