إستغرقت بعض عواصم الدول الكبرى وقتاً لدراسة ماذا يحصل في لبنان وإلى أي مدى ستستمرّ ثورة الشعب على الطبقة السياسيّة الفاسدة، وهل من أيادٍ خارجيّة تُحرّك تلك الإنتفاضة الشعبية التي فاجأت الجميع من دون استثناء.
لا يمكن عزل أحداث لبنان السياسية عمّا يجري في المنطقة، فتاريخياً كان لبنان يتأثّر بالقناصل والسفارات، وقصص والي الشام ووالي عكا لا يزال البعض يستشهد بها، في حين كانت فترات الإستقلال اللبناني قصيرة جداً، ولم ينعم بلد الأرز بالراحة لمدّة طويلة.
وأمام ضخامة ما يقوم به الشعب اللبناني من ثورة نظيفة ضدّ من أوصل البلد إلى حافة الإنهيار وجوّع الشعب وسرق مقدرات الدولة، تتوالى مواقف الدول الكبرى، بعضها مؤيّد لحراك الشارع وبعضها معادٍ له، وقد برزت أولى بشائر العداء مع تصريح المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي حيث اعتبر أن واشنطن والدول الرجعية في المنطقة تقوم بإثارة الفوضى اليوم أكثر من أي وقت مضى، متحدثاً عن التظاهرات التي تعمّ لبنان والعراق.
وتثير التطورات في لبنان والعراق مخاوف محور الممانعة في هذين البلدين خصوصاً أن الشعب يثور ومن يمسك مقاليد السلطة هم حلفاء طهران، لكن الجديد في كل ما يحصل هو تطوّر الموقف الروسي تجاه الثورة اللبنانية.
وفي التفاصيل، فقد صمت الروس في بادئ الأمر ولم يدلوا بأي مواقف، ثمّ دعوا إلى التهدئة والحوار بين جميع الأفرقاء، ليتطوّر موقفهم أكثر ويصوّبوا على الثورة غير آخذين مطالب الناس الثائرة على محمل الجدّ.
وفي هذه الأثناء، يتحضّر المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف لزيارة لبنان في وقت قريب، للتحذير من مخاطر ما يجري، فهل سيعتمد سياسة التخويف من استمرار الثورة؟
تؤكد مصادر دبلوماسيّة لـ “نداء الوطن” أن زيارة بوغدانوف إلى بيروت كانت محددة في 4 و5 تشرين الثاني، وقد أُبلغت وزارة الخارجية اللبنانية عبر السفارة الروسية في بيروت بموعد زيارته وبرنامج لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين، لكن بسبب الظروف التي استجدّت واندلاع الثورة تأجلت الزيارة، بينما كان بوغدانوف قد أكّد لمن التقاهم أنه سيزور بيروت في وقت ليس ببعيد من دون تحديد موعد الزيارة، وذلك حتى تتّضح الصورة.
وتُشير المصادر الدبلوماسيّة إلى أن أهداف زيارة بوغدانوف الجديدة هي لمتابعة الوضع في لبنان عن كثب، إذ إنه لا يمكن فصل تطورات لبنان عن أحداث المنطقة، خصوصاً أن الجانب الروسي مؤمن مثل فريق “الممانعة” في لبنان بنظرية المؤامرة الأميركية وأن كل ما يحصل في المنطقة هو بسبب تدخلات أميركية وغربية.
وتضيف المصادر: “هذه النظرية عبّر عنها أيضاً بوغدانوف ومسؤولون روس، وقد سجّلت مواقف عدّة غير مؤيدة للتحركات الشعبية في أي من الساحات لأنها بحسب رأيهم محرّكة من الغرب وأميركا بهدف إحداث فوضى في بلدان المنطقة ومن ضمنها لبنان”.
وتوضح المصادر أن “الموقف الروسي يعتبر أن واشنطن هي من حرّكت التظاهرات بدءاً من أوكرانيا وسوريا وصولاً إلى لبنان، وتعتبر موسكو أن أميركا وراء تحريض الناس بأهداف نبيلة ولكن بنوايا خبيثة، لذلك تحمّل المسؤولية للغرب وأميركا”. وتشدّد على أنه “انطلاقاً من النظرة الروسيّة إلى تطورات الأحداث في لبنان وتصاعد الثورة الشعبيّة، فإن زيارة بوغدانوف المرتقبة هي للإضاءة على ما يعتبره تدخلات أميركية في الشأن اللبناني، والتي ستؤذي البلد وتدفع إلى السير على طريق الدول العربية لجهة الإضطرابات الأمنية والدخول في مواجهات داخلية”.
ويدل الموقف الروسي على أن دول “الممانعة” تسعى جاهدةً إلى ضرب انتفاضة الشعب، وما يثير الريبة هو أن موسكو تدخّلت في سوريا لصالح نظام الرئيس بشار الأسد، فهل ستتدخّل لصالح السلطة الحاكمة في لبنان؟
والجدير ذكره، أن موقع روسيا يحظى بإجماع من كل اللبنانيين، وتدخلاتها في الملف اللبناني لصالح السلطة ستُكسبها عداء معظم أطياف الشعب اللبناني الثائر، وهذا الأمر قد يدفع دولاً أخرى إلى التدخّل، ما سيهزّ موقع موسكو لبنانياً، علماً أن تركيبة لبنان ليست مثل سوريا، والشعب اللبناني المنتفض دائماً لا يقبل أن يتخلّص من احتلال ليقع تحت نير احتلال آخر.