اليساريون و«عملاء أميركا» معاً ضد الفساد.. والشائعات
«بعبع الشيوعية» يخيّم على «الحراك»: السلطة عاجزة
إذا كانت التظاهرات قد جمعت «عملاء السفارة» و«الشيوعيين»، فذلك يعني أن الحراك محق. غالباً ما يتحسس هذان الطرفان من بعضهما. ونادراً ما تجمعهما مطالب واحدة، فما الذي جمعهما إذاً؟ السلطة وحدها هي التي جمعتهما، بفسادها أولاً وباتهاماتها لهم ثانياً. وهي وحدها التي لم تتوقف عن السعي إلى ضرب الحراك، تارة بالشائعات وطوراً بالعنف أو تحريك الميليشيات الطائفية.
ومن «الالحاد» إلى العمالة للسفارة الأميركية، ثم العمالة لوكالة الاستخبارات الأميركية تنقلت الاتهامات، قبل أن تصل أخيراً إلى «الشيوعية»، لكن الشارع ظل على زخمه. كما أثبت الناس أنهم لن يخرجوا من الشارع مهما تعددت محاولات ضربهم أو بث الفرقة بينهم.
باختصار، بدا وجود الشيوعيين كجزء من الحراك بمثابة حكم البراءة في وجه تهم العمالة التي طالت عدداً من وجوه «طلعت ريحتكم». وفي المقابل، فإن «الليبراليين» الذين يشاركون في قيادة الحراك لم يكونوا ليأمنوا للشيوعيين بينهم لو لم ينزلوا إلى الشارع كمواطنين وبشعارات لا تميز بين يسار ويمين وتصب في مصلحة كل المواطنين. ثم، وعلى ما يقول أحد الناشطين، هل ثمة من يشك أن منطق «عملاء السفارة» يصح على أهل السلطة قبل غيرهم؟ وهل، يمكن لأحد من أركان هذه السلطة أن ينكر عمالته لهذه الدولة أو تلك. ومع التركيز على أميركا تحديداً، هل ثمة من لا يستجدي تدخلها؟
إدارة التحركات تثبت أن مستوى التنسيق قد ارتفع بين مختلف الحملات، أضف إلى أن المطالب صارت واضحة، بغض النظر عن الشعارات التي ترفع. لم تعد النفايات هي المطلب فقط. فهذه الأزمة ليست سوى تعبير عن الفساد المستشري في الدولة. لذلك، فان الحرب موجهة ضد الفساد بكل رموزه.
الشعار السياسي صار واضحاً أيضاً. انتخاب رئيس الجمهورية ليس المطلب، لأن اسمه لا يغير في المعادلة، وعليه المطلوب أولاً انتخابات نيابية على أساس النسبية تعيد تشكيل السلطة على قاعدة العدالة. يعتقد المعنيون بالحراك أنه إذا لم تذهب طاولة الحوار باتجاه انتخابات نيابية تؤسس للدولة المدنية، فإن هذه السلطة «ستأخذ البلد إلى المهوار».
لا يختلف الشيوعيون عن الليبراليين من المنظمين في هذه الرؤية. صار هؤلاء أكثر ثقة باستمرارية الحراك الشعبي. ليست الأسباب داخلية فحسب. السلطة نفسها تساهم في تعزيز قدرة الحراك على الاستمرار، فالأزمة الاقتصادية والاجتماعية وصلت إلى مرحلة لا يمكن علاجها بالمفرق.
أما على الصعيد السياسي، فمن الواضح أن السلطة أعجز من أن تحل أزماتها، في ظل عدم جهوزية أي من الدول المعنية بالشأن اللبناني لإعطائه الأولوية وتحضير طائرة تقّل جميع أركان السلطة إلى طائف أو دوحة.
ثقة المنظمين بقدرتهم على الاستمرار، لا تأخذ بعين الاعتبار، ربما، خطورة ضرب صورة رموز الحراك. تهمة الشيوعية ليست بسيطة بالنسبة للبعض. وإضافة إلى الهيئات الاقتصادية التي رمت «الشرارة»، موحية أن من لفظتهم روسيا سينقضون على النظام الليبرالي، فإن جوقة من السياسيين التقليديين تبعتهم.
مع ذلك، فإن الحملات التي تضم يساريين تعرف أن المعركة ليست بين يسار ويمين، إنما بين مواطنين مظلومين وبين سلطة فاسدة. يسأل قيادي شيوعي: هل سمعتم أحدنا يطالب بدولة اشتراكية على سبيل المثال، وهل رفع علم أو رمز شيوعي في التظاهرات؟
يقر القيادي نفسه أن الشيوعيين «اضطروا للتواجد بشكل واضح مرتين، وفي كل مرة كان الهدف حماية المتظاهرين من قمع السلطة وأزلامها. المرة الأولى كانت عندما هاجمت القوى الأمنية المعتصمين يوم الأربعاء الماضي، فاضطروا إلى النزول إلى اعتصام رياض الصلح، للتأكيد للناس وللسلطة أن القمع لا يمكن أن يثني الناس عن المطالبة بحقوقهم، والمرة الثانية كانت يوم الأحد الماضي، عندما هاجمت ميليشيات السلطة المتظاهرين، فاضطررنا إلى أخذ دورنا في حماية الحراك لضمان سلميته ولضمان عدم الاعتداء عليه، بعدما تلكأت القوى الامنية عن القيام بواجبها، لا بل بعدما سهلت للمعتدين طريقهم».
قيادي آخر يعتبر أن استنفار السلطة يؤكد أنها ليست خائفة من فقدانها الشرعية فحسب، إنما خائفة أيضاً من تسرب جزء من قواعدها. ففي النهاية، ومهما كان الفرز الطائفي قائماً، يبقى الأمل بالتغيير، حافزاً لابتعاد ولو 10 بالمئة من مناصري هذا الزعيم أو ذاك عنه. وهو ما يؤسس لفئة جديدة من المواطنين القادرين على ممارسة فعل المواطنة لا التبعية، وهو الفعل نفسه الذي يرعب زعماء الطوائف كلهم.
في الشارع، وبعيداً عن انخفاض الأعداد وارتفاعها بين تظاهرة وأخرى، فإن الأهم بالنسبة لمختلف الناشطين هو الاستمرارية، لأن المعركة هي معركة «من نفسه أطول، نحن أم السلطة؟» أما تخويف الناس من بعضها البعض، «فنعرف أن تأثيره لن يكون طويلاً لأن المعاناة لم تعد تحتمل».