سائقون بلا رخص والخصوصي ينافس العمومي
من يضمن لك سلامتك عندما تطلب سيارة تاكسي عبر التطبيقات الذكية؟ هل يمكنك التأكد من امتلاك السائق إجازة سوق عمومية تسمح له بنقل الركاب في لبنان؟ من هي مرجعيته وأين مقرها؟ هل تملك مكتباً لها في بيروت؟ وماذا عن التأمين إذا تعرضت لا قدّر الله لحادث سير في سيارة التاكسي المعنية؟ وهل تجرؤ على استقلال موتوسيكل تاكسي لا يملك أدنى مقومات السلامة؟ أسئلة يتجاهلها الراكب اللبناني في غمرة بحثه عن وسيلة نقل أوفر من غيرها لكنها تصبح أسئلة ملحة حين تتعرض سلامته لخطر أكيد.
تطبيقات النقل الذكية صارت واقعاً لا مهرب منه بل مطلباً حيوياً في معظم بلدان العالم بعد أن أنتجت أسلوباً ديناميكياً في نقل الركاب يواكب العصر. لكن واقع هذه التطبيقات في العالم شيء وفي لبنان شيء آخر في ظل الفوضى الكبيرة التي يشهدها قطاع النقل وغياب شبه تام للمراقبة. بعض أسماء التطبيقات ما عادت بحاجة لتقديم أوراق اعتمادها بعد أن أثبتت جديتها في العمل شرعياً سواء مع السائقين أو الركاب وبعضها دخل سوق النقل في لبنان حديثاً ليثير بلبلة بين السائقين دعتهم لمقاطعة التطبيق والتحرك لإطلاق صرخة غضب في وجه مشغلي هذه التطبيقات.
أوبر، بولت، إندرايفر اسماء لتطبيقات على الهواتف الذكية تعنى بنقل الركاب. كلنا نذكر حادثة مقتل الموظفة في السفارة البريطانية ربيكا دايكس على يد أحد سائقي تطبيق أوبر العام 2017 وما تلا ذلك من مخاوف وتشكيك في التطبيق الذي أعلن حينها مسؤولوه في لبنان أتخاذ تدابير صارمة للتأكد من أهلية السائقين الأخلاقية ونظافة سجلهم العدلي واستيفائهم كافة الوثائق القانونية المطلوبة، ليستعيد بعدها التطبيق شيئاً فشيئاً ثقة الناس. في العام 2020 دخل تطبيق بولت الى لبنان في ظروف ترافقت مع بدء انهيار مقومات الدولة وأعلن حينها في بيان له ( لم يحمل توقيع اي شخص) أن مئات السائقين المتعاملين معه مستعدون للبدء في قبول طلبات الزبائن. فما الذي حصل اليوم حتى يقوم السائقون العموميون بوقفة احتجاجية تطالب بإقفال التطبيقات ولا سيما بولت؟
سائقون بلا رخص
حسين وهو أحد السائقين العموميين المتعاملين مع بولت يبدو غاضباً جداً ويقول إن حسابات بولت تباع مثل «الخضار» بلا اي حسيب أو رقيب وتنتقل من شخص الى آخر ويمكن لأي كان الانتساب والعمل كسائق في الشركة… «ادخلوا الى صفحات التواصل تجدوا حسابات معروضة للبيع لسيارات ودراجات نارية بأسعار «بالأرض» وهذا دليل على الفوضى العارمة الذي يتخبط بها التطبيق… معظم السائقين من السوريين الذين لا يحق لهم قانوناً نقل الركاب في لبنان ولا يملكون حتى رخصة سوق دولية أو عمومية. هؤلاء إذا قاموا بأي حادث سير وهربوا بعده من يعرف امكنة إقامتهم أو ارقام هواتفهم أو يمكنه الوصول إليهم؟ في حين أن أي غلطة يرتكبها سائق تاكسي لبناني يمكن مراجعة شركته ومحاسبته. فهو يقدم سيرته الذاتية الى الشركة مع سجل عدلي وعنوان سكن ورقم هاتف وصورة عن التأمين فيما كل هذه الأمور غير متوافرة عند السائقين السوريين أو حتى اصحاب السيارات الخصوصية. التحرشات بالركاب الإناث اكثر من أن تعد يقول حسين وحتى أن السرقات باتت شائعة ويؤكد ذلك كثر حوله. من يحاسب السائق ويعاقبه على تصرفات غير لائقة أو مؤذية؟».
تنمير
وفي تجمع لهم قبل أشهر أمام مسجد محمد الأمين في بيروت مرّ أمام أولئك السائقين الشرعيين أصحاب النمر الحمراء سيارات خصوصية بنمر بيضاء تعمل كتاكسي وكذلك دراجات نارية وقاموا بتوقيفهم أمام أعين رجال الأمن الذين كانوا موجودين هناك لمواكبة الاعتصام لكن أحداً من هؤلاء لم يحرك ساكناً أو يحجز سيارة أو يعمل على التأكد من وجود رخصة مع هؤلاء…
«الأمر أبعد من ذلك ويصيب السائقين العموميين في لقمة عيشهم يقول عبد شري نائب رئيس مالكي وسائقي السيارات العمومية في المتن الشمالي، فسائقو هذه التطبيقات، لا سيما المشكوك بأمرها، يعمل نصفهم تقريباً على سيارات ذات نمر بيضاء والنصف الآخر على دراجات نارية غير شرعية لا تؤمن سلامة الراكب ومعظمها غير خاضع للتأمين الإلزامي». ومشكلة هذه التطبيقات الأساسية أنها تطلب تسعيرة أقل من مكاتب التاكسي وذلك لأن السيارات ليست لها بل للسائقين ومعظمها لا يدفع ضرائب لأنها ذات نمر بيضاء، فيما السائقون العموميون ملزمون بدفع ضريبة والانتساب الى الضمان الاجتماعي وغيره». وأضاف «لقد طالبنا بإنصاف السائقين العموميين وتأمين مساعدة لهم ليس بسبب غلاء البنزين فحسب بل بسبب غلاء قطع السيارات وعدم قدرتهم على إصلاح سياراتهم في حال أصيبت بأي عطل. كما طالبنا بتوحيد سعر صفيحة البنزين للسائقين العموميين حتى يصبح بالإمكان فرض تسعيرة موحدة للنقل تجنب السائقين فرض التسعيرة التي يرونها مناسبة وتريح الركاب. لكن هذا الإجراء لم يتم وفوضى أسعار البنزين فرضت على كل سائق أن يطلب التسعيرة التي يراها مناسبة له».
إذا لا تسعيرة ثابتة للنقل في لبنان حالياً رغم تحديد تسعيرة السرفيس بـ 50000 ليرة داخل بيروت. وهذا ما دفع التطبيقات الى اعتماد تسعيرات منافسة أقل من تسعيرة مكاتب التاكسي ما جعلها الأكثر طلباً في سوق النقل.
لإغلاق التطبيقات غير الشرعية
منافسة غير محقّة
سائقو «بولت» الشرعيون غاضبون لأن تسعيرتها أقل من تسعيرة سواها من التطبيقات لا سيما أوبر وبالتالي عمولتهم أقل والمشوار لم يعد «يوفّي» معهم. طالبوا الشركة بزيادة التسعيرة وجاءهم الرد عبر رسالة قصيرة بأنها سوف تقيّم أسعار المحروقات وكلفة تصليح السيارة والمصاريف الأخرى وتعمد الى تعديل الأسعار حين ترى ذلك مناسباً. وحتى الآن لم يحدث أي تعديل ما دفع ببعض السائقين الى فرض تسعيرتهم الخاصة التي لا تتوافق مع تلك التي يراها الزبون على التطبيق ويوافق عليها عند طلبه التاكسي.
والغضب الأكبر ليس على التسعيرة فقط بل على تشغيل الشركة سائقين غير لبنانيين ( سوريين حصراً) لا يحق لهم أصلاً العمل في النقل، وعلى تشغيلها سيارات خصوصية ذات نمر بيضاء لا يحق لها قانوناً نقل الركاب. والأسوأ من ذلك كله تشغيلها دراجات نارية تسعيرتها أقل بكثير من السيارات ما يزيد الطلب عليها ويحرم السائقين من مدخول كانوا يعولون عليه.
في وقفتهم الاعتراضية في الرابع من تشرين الأول الحالي ترك سائقو بولت أو ما يعرف بسائقي التطبيقات سياراتهم في وسط الطريق وتوجهوا نحو وزارة الاتصالات لمطالبتها بإقفال هذه التطبيقات التي باتت برأيهم غير شرعية، لكن وزير الاتصالات جوني القرم لم يقابلهم بحجة انشغاله بأمور أخرى. وكان الوزير سابقاً وبعد شكوى بحق الشركة المشغلة لتطبيق بولت تقدّم بها اتحاد نقابات النقل البري أمام مكتب جرائم المعلوماتية، قد تريث في إقفال التطبيق بحجة أنه لا يمكنه ذلك إلا بإشارة قضائية أو صدور حكم قانوني من المحكمة فيما القضية لا تزال معلقة ولم يصدر فيها حكم بعد.
تجمع سائقي التطبيقات ليس منتسباً الى اتحاد النقل البري برئاسة بسام طليس كما يقول عبد شري والشركات المشغلة للتطبيقات ليست عضواً في الاتحاد مثل شركات التاكسي وبالتالي لا يمكنه أن يتدخل في شؤونها ويفرض عليها تسعيرة أو يلزمها بقوانين معينة. «نحن نعمل ما بوسعنا لتسهيل أمور السائقين العموميين ودعمهم» يقول شري لكن الحل بيد الوزارات المختصة. لكنه يتساءل «كيف يعمل هؤلاء السائقون مع شركة ما ويقومون ضدها؟ أليس حرياً بهم تركها؟».
رغم اعتراضاتهم فإن السائقين العموميين وجدوا في التطبيقات مدخولاً إضافياً غير مأمول مكّنهم من زيادة عدد ركابهم والعمل وفق أجنداتهم الخاصة دون التقيد بمواعيد عمل محددة ومساءلة من قبل مدير أو مسؤول. وفي جولة على صفحات سائقي التطبيقات عبر فايسبوك يتبين لنا أنه رغم وجود حسابات معروضة للبيع ثمة طلب على شراء أو استئجار الحسابات سواء بالنسبة للسيارات او الموتوسيكلات وهذا دليل على كون السائقين يستفيدون من عملهم مع التطبيق.
من ينصف الركاب والسائقين؟
شركات غائبة عن السمع
من جهتنا حاولنا التواصل مع شركة بولت في لبنان لمعرفة رأيها في ما يحدث والاستماع الى وجهة نظرها ولكن لم نستطع ذلك لعدم وجود أي عنوان معروف لها أو رقم هاتف. وكانت الشركة قد حددت على موقعها كل المستندات القانونية المطلوبة لسائقي السيارات والدراجات للتعامل معها في لبنان وتم تحديث هذا المنشور منذ شهرين. لكن السائقين يجدون صعوبة في التواصل مع مسؤولي شركة بولت كما يقول أحدهم ويضيف أن الشركة وعلى يد أحد مدرائها في الشرق الأوسط قامت بإغلاق حسابات كل السائقين الذين يعترضون على تسعيرتها وسياساتها. لم نستطع التحقق من هذا الأمر ولكن مما لا شك فيه أن الشركات المشغلة للتطبيقات ليست على السمع معظم الأوقات. فحتى شركة أوبر التي تعتمد المعايير القانونية عادة في التعامل مع سائقيها لا ترد بسهولة على من يتواصل معها أو يود مراجعتها في أمور العمل ويتم ذلك عبر رسائل قصيرة يتم ارسالها الى عنوان في الخارج بعد أن أقفلت الشركة مكاتبها منذ فترة في بيروت.
لكن ماذا عن الطرف الثالث في هذه المعادلة ؟ أين يقف الركاب من مطالب السائقين واعتراضاتهم؟ يبدو أن الركاب في واد والسائقين في واد آخر ولم يجمعهم الظلم ولا الغبن. فغضب السائقين لم يصل إليهم و شعورهم بالغبن لا يفوقه إلا شعور الركاب بالظلم والقرف من ارتفاع تكلفة النقل في بلد لا يؤمن لناسه أبسط حقوقهم. ركاب السرفيس الذين ما عادوا قادرين على دفع تكلفته يشمتون بسائقي التطبيقات والتاكسيات هم الذين كانوا يتكبرون عليهم سابقاً ويقولون لهم من سواك بنفسه ما ظلمك، اما ركاب التاكسي فـ» يا رب نفسي» همهم الانتقال بأقل تكلفة ممكنة، سوري…لبناني…خصوصي… عمومي… موتسيك… كله بيمشي…سوري…لبناني..خصوصي…عمومي… موتسيك… كله بيمشي…