ما هي مساحة «الضمير المستتر» في تيار «المستقبل»؟
«قنبلة» المشنوق تقلب الطاولة على المحظوظين!
يتفق منتقدو الوزير نهاد المشنوق ومريدوه، انه بالمواقف التي فجرها في اطلالته التلفزيونية الاخيرة، وطالت شظاياها العديد من الساحات والاهداف، وخصوصا تلك القريبة منه، كان جريئا في مقاربة الامور وكان يدرك ما يقول، لا بل كان شديد الثقة بما يقول.
قال المشنوق ما لديه، ولم يتراجع عنه ولم ينكفئ أو يقفل على نفسه، بل اصرّ على كل ما قاله، وزاد بتحدي بعض الاصوات الاعتراضية التي تعالت من بعض زوايا المحيط القريب، بأنه يعبر عن «الضمير المستتر» في تيار «المستقبل». واما من هو هذا «الضمير المستتر»، واين يكمن، وما هي حدوده وكم هي مساحته، فالجواب عند المشنوق؟
«البيت الازرق» مربك حتى العظم، كأنه تعرّض لهزة ارضية. كلام كثير يتردد ومحاولات للاستفسار عما دفع وزير الداخلية للذهاب الى هذا السقف، ولكن ليس هناك من يوضح الصورة.
خارج البيت الازرق، لا تختلف الصورة كثيرا، ذلك ان الوسط السياسي كله تحت تأثير الدوي الهائل الذي احدثه المشنوق، واسئلة كثيرة: لماذا القى المشنوق قنبلته؟ لماذا في هذا التوقيت؟ اي هدف اراد ان يصيبه؟ واي هدف اصابه؟
«انه أمر محير»، يقول سياسي بارز، «لقد حاولت ان اتعمق مطولا في ما قاله المشنوق، قلّبت كلامه حرفا حرفا، ولكنني لم استطع ان افك ألغازه ولا عرفت ما يريده. ولكن ما انا متيقن منه هو اننا كنا امام صندوق بريد طير الرسائل في شتى الاتجاهات. وبصرف النظر عن الاهداف والخلفيات، فإن الكلام الوارد في تلك الرسائل جريء في ما خص انتخابات الشمال واشرف ريفي ومصدر ترشيح سليمان فرنجية، واكثر من جريء في الشق السعودي حينما وضع سياسة العهد الملكي السابق في قفص الاتهام. الاكيد ان في هذه المقاربة مجازفة كبيرة، الا اذا كانت مغطاة بضوء اخضر ومظلة امان من مكان ما».
«انا لا اوافق القائلين بأن المشنوق قد تسرّع او تهوّر في ما قاله». يختم السياسي المذكور، وهنا يتقاطع كلامه مع خلاصات ينتهي اليها قطب سياسي يعرف المشنوق عن كثب، ولا ينتمي الى صف الحلفاء لفريقه:
– من يعرف الرجل يدرك انه جدي، ليس من النوع الانفعالي او العشوائي الذي يطلق الكلام العبثي او يتسرع في ابداء مواقف، سواء اكانت نقدية او مدحا او ذما او حتى مجاملا، وبالتالي ما يقوله مقتنع به، ويدرك كل الخلفيات والابعاد، وبالتأكيد انه «حاسب حساب الارتدادات».
– في الشق الرئاسي وما يتصل بترشيح الحريري لسليمان فرنجية، سارعت السفارتان البريطانية والسعودية الى اعلان الحياد والتبرؤ من مبادرة الترشيح. ولكن كل الوقائع التي تحيط بهذا الترشيح يعلمها الحريري جملة وتفصيلا. والمشنوق يدرك ذلك تماما. وبالتالي جاء كلامه استنادا الى تلك الوقائع وليس لصياغة او اختلاق وقائع جديدة. ويعتقد القطب السياسي ان بنشعي غارقة في علامات استفهام، ولأن كلام المشنوق لم ينزل عليها بردا وسلاما، فمن الطبيعي ان تطلب توضيحات.
– في الشق السعودي، لم يكسرها المشنوق مع السعودية، ولا هو بانتقاده العهد الملكي السعودي السابق، مسّ الذات الملكية الحالية، كما بدأ يروج خصومه، بل بالعكس كان منظرا لها وتحت رايتها.
– في الشق الحريري، جعل المشنوق من نفسه خط حماية ودفاع عن سعد الحريري وإرث والده الشهيد رفيق الحريري، وهناك من وصفه بالانتحاري الذي فجر نفسه لحماية الحريري. واما الدافع فهو قطع الطريق على «ضربة حظ» من ان تتحول الى اسفين يهدد كل ما بني.
ليس خافيا ان «ضربة الحظ» تلك، تجلت في نتائج الانتخابات البلدية في طرابلس، وتقدمت على ما عداها داخليا، وصارت حاضرة في الاعلام، خاصة وان «المحظوظين» الذين فاجأتهم النتائج قبل كل الآخرين، بدأوا يبنون على تلك النتائج احلاما سياسية، ويظهرونها كهزيمة نكراء لسعد الحريري، وكانتصار ساحق لهم، ستترتب عليه مفاعيل سياسية وتغييرات جذرية في المستقبل.
للمشنوق لواقطه التي تسمح له ان يكون على بينة كاملة من حركة الوقائع، وما هو مسموح وما هو ممنوع ومحظر على اي كان مقاربته او المس به.
على هذا الاساس، جاءت اطلالته بالسقف الذي ذهب اليه، وبالمواقف التي اطلقها والاسئلة والاستفسارات التي اثارتها وما تزال حول اهدافها ومراميها وخلفياتها، لتشكل الفرصة المؤاتية لهجوم وقائي يقلب الطاولة على «المحظوظين»، فنجح في ابعاد كرة الثلج التي بدأت تتدحرج على المشهد الداخلي بعد انتخابات طرابلس بهدف جعل البعض ارقاما صعبة في المعادلة السياسية وفي الساحة السنية.