ارتاح اللبنانيون عندما قرّرت إسرائيل عدم الرد على عبوة “حزب الله” التي دمّرت آلية عسكرية لها وجرحت عسكريين من طاقمها في مزارع شبعا يوم الثلثاء الماضي. إذ يكفيهم الخوف من اقتتال داخلي مذهبي وربما طائفي تدفع إليه الحرب الدائرة في سوريا بين النظام والثائرين عليه من معتدلين ومتشدّدين تكفيريين وإرهابيين كما بين الثوار أنفسهم. وهم ليسوا في حاجة إلى تجديد خوفهم من عملية عسكرية إسرائيلية، بل من حرب تزيل آثار “نكسة جيش الدفاع” عام 2006 على أيدي مقاتلي “الحزب” المذكور. ذلك أنها وفي حال حصولها ستكون شاملة ومدمِّرة على ما يقول خبراء ومحلِّلون جديون غربيون. ولعل امتناع الأطراف المعادين لـ”الحزب” وحلفائه في الداخل والخارج عن المبالغة في استعمال العبوة، لمهاجمة استمراره في الانفراد داخلياً وخارجياً وعلى نحو يهدّد البلاد جدّياً، يساهم في الارتياح المذكور أعلاه. كما ساهمت فيه تطوّرات الحرب في سوريا والعراق رغم الغارات الجوية لـ”التحالف الدولي لمكافحة الارهاب”، إذ لم تمنع “داعش” وأمثاله من الاستمرار في تحقيق الانتصارات حتى الآن على الاقل. هذا فضلاً عن الحروب المرشحة للتفاقم في العراق واليمن وليبيا والمرشحة للاندلاع في لبنان والمرشحة بدورها لـ”الايناع” في السودان والجزائر وفي دول أخرى يعتقد حكامها أنهم في منأى عن حروب كهذه. علماً أن الرئيس السوري بشار الأسد كان عنده الاعتقاد نفسه لكنه لم يكن في محله كما ثبُت لاحقاً.
إلا أن الارتياح المشار إليه يجب أن لا يدفع اللبنانيين وزعماءهم وأحزابهم وحركاتهم وطوائفهم ومذاهبهم المسلمة كما المسيحية إلى النوم على حرير. فعبوة مزارع شبعا تحتاج إلى تحليل معزّز بمعلومات موثوقة مصادرها لأنها قد تكون مؤشراً لتطوّرات خطيرة في لبنان أو ربما بداية لها. وهذان التحليل والمعلومات يشيران بداية إلى أمر مهم هو أن العبوة المذكورة كانت رسالة موجّهة إلى فريقين واحد اقليمي هو إسرائيل وآخر لبناني له حلفاء اقليميون. فهي من جهة تبلغ إلى إسرائيل أن تساهلها الواضح جداً مع التنظيمات السورية المتشدّدة في منطقة الجولان على تنوّعها سينعكس سلباً عليها، وعلى نحو لا تستطيع تصوره إذا وصلت آثار هذا التساهل إلى لبنان وخصوصاً إلى عقر دار “الحزب” في الجنوب. والتبليغ الذي هو تحذير في الوقت نفسه لم يأت من فراغ. فالتكفيريون كما سماهم “الحزب” وحلفاؤه داخلاً وخارجاً طردوا قوات الأمم المتحدة “اوندوف” من منطقة الفصل في الجولان بين سوريا وإسرائيل التي تأسست بعد حرب 1973، وبعد تدخل الديبلوماسي البارز هنري كيسينجر وموافقة مجلس الأمن. وهي تعمل الآن على الجانب الإسرائيلي من الحدود ومن مراكز خمسة فقط. وخطوتهم هذه تسمح لهم باجتياز تلك المنطقة إلى شبعا اللبنانية وتالياً إلى الجنوب، وإسرائيل تستطيع منعهم من ذلك. وعدم منعها إياهم يعني أمراً واحداً هو موافقتها على دخولهم لبنان من المنفذ أو المعبر المذكور، لنقل الحرب الدائرة مع “حزب الله” في سوريا إلى لبنان. الأمر الذي قد يجعله ينسحب منها لحماية قواعده. وفي حال كهذه فإن “حزب الله” وحلفاءه قد يجدون أنفسهم مضطرين إلى استدراج إسرائيل إلى حرب شاملة تدمِّر ليس لبنان فقط بل إسرائيل أيضاً، وتالياً إلى إجبار المجتمع الدولي على التحرّك لفرض حلول في سوريا ولبنان وإسرائيل – فلسطين، هو الذي يتباطأ عمداً رغم “التحالف” الذي شكّله لمحاربة الإرهاب ربما رغبة منه في الاجهاز على النظام الاقليمي القديم الذي انهار وفي وضع أسس نظام جديد.
أما الأمر الثاني فهو أن عبوة مزارع شبعا هي رسالة أيضاً لأعداء “الحزب” من اللبنانيين وكذلك من غير اللبنانيين المقيمين في لبنان وفي مقدمهم فلسطينيون. وهؤلاء قد يستفيدون من دخول “داعش” وغيره عبر شبعا لأنه سيشتبك مع “الحزب” الذي يقاتلهم في سوريا على أرضه وفي عقر داره، ويخفف ضغطه عليهم وربما يضعفه جدياً. علماً أنهم لا يستطيعون أن يبقوا في منأى عن الاشتراك في الاشتباك. وجوهر الرسالة يدعو هؤلاء كلهم إلى عدم “الابتهاج” بالدخول “الداعشي” وأمثاله. أولا لأن القوة العسكرية لـ”الحزب” لا تزال صلبة وقوية رغم خسائر جدية في سوريا لا تقل عن 600 مقاتل. وهي قادرة على المحافظة على منطقته. وثانياً لأن استدراج إسرائيل إلى الحرب سيكون على طريقة عليَّ وعلى أعدائي يا رب، أي لن يسلم منه أحد.
هل هناك من يدفع “حزب الله” إلى اعتماد وسيلة الهروب إلى الأمام؟ وهل يحميه الدافعون إذا استجاب؟ وهل شبعا هي معبر الخوف الوحيد أم يستمر الشمال وعرسال مصدراً للخوف نفسه؟ وهل يتحمل “الحزب” بل “شعبه” دماراً جديداً وربما خسارة؟