بغض النظر عن غموض هوية منفذ التفجير، المعلوم رغم المساعي المبذولة لتجهيله، والذي استهدف غروب الاحد بنك لبنان والمهجر» في بيروت، يبدو جليّا انه يحمل رسالتين: الاولى للمصارف المحلية الملتزمة قسرا تنفيذ موجبات قانون العقوبات الاميركي على مالية «حزب الله» ، والثانية للولايات المتحدة والغرب عموما المتمسكين حفاظا على مصالحهما بالاستقرار الغالي على قلبيهما.
فالمستهدف المباشر بالتفجير، الذي وقع بعيد غروب شمس يوم رمضاني بحيث لا يوقع اصابات بشرية، هو واحد من ابرز المصارف اللبنانية. وسبقت التفجير ورافقته حملة اعلامية شنتها اقلام واصوات موالية لـ«حزب الله« شيطنة بنك «لبنان والمهجر« بالاسم والقطاع المصرفي عموما باعتباره اداة بيد الخارج. يضاف الى ذلك استهداف حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة شخصيا في بيان صدر عن كتلة نواب «حزب الله«، وصولا الى تشبيه «وكالة فارس« الايرانية القطاع بأنه «عدو كجيش لحد« الذي عمل بإمرة اسرائيل ابان احتلالها جنوب لبنان.
لكن ابرز القيادات السياسية، كما جميعة المصارف واصحاب المصرف المستهدف، لم تتهم الحزب مباشرة وذلك في اطار مساعي التهدئة وبانتظار قول التحقيقات الرسمية كلمتها، هذا اذا توصلت الى تحديد هوية المنفذ. اما كتلة نواب «المستقبل« فرأت ان «الحملة الإعلامية والسياسية العنيفة» التي شنها الحزب واعلاميون مقربون هي على الاقل «التي اتاحت المجال ومهدت الطريق والاجواء الملائمة لارتكاب هذه الجريمة الإرهابية». وهذا ما يجعل الحزب خاسرا سواء كان متهما عن حق أم بريئا، او ان «الاهالي» المتضررين من الاجراءات هم الثائرون عليه، كما سبق لـ «الاهالي» ان تعدوا في ضاحية بيروت الجنوبية على محققين من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، او هاجموا كما في سنوات سابقة دوريات لقوات الطوارئ العاملة في الجنوب.
ويقلل خبير سياسي اقتصادي من اهمية عدم الاتهام المباشر للحزب ويدرجه في اطار «الرفض لتسلم الرسالة التي اراد المخطط لها ان تكون واضحة لتفعل فعلها«. فالكل، بمن فيهم الحزب نفسه، يعرف ان لا مناص للقطاع المصرفي من الالتزام بمندرجات القانون الاميركي اذا اراد البقاء ضمن شبكة الشرعية المالية الدولية، حتى لا ينهار ابرز عمود من أعمدة الاستقرار المالي، والذي بقي لبنان ينعم به رغم كل المطبات التي ادت حتى الى تراجع مؤسساته الرسمية كما قطاعاته الانتاجية.
ويقول المصدر «نحن على عتبة مرحلة جديدة«، مذكرا بحوادث سابقة استهدفت المصارف وشكلت باباً لولوج محطات جديدة منها: ازمة بنك انترا في ستينات القرن الماضي مثلا، وعمليات السطو على المصارف مع بدايات الحرب الاهلية، ومؤخرا تصفية «البنك اللبناني الكندي» قبيل صدور القانون 2297.
فالعملية تهدف بنظره، عبر استهداف مصرف محلي، الى لفت نظر الولايات المتحدة المهتمة حصرا بالاستقرار، بان لا مانع من زعزعته علّها تلطف بعضا من مطالبها، بحيث لا تطاول العقوبات أقله البيئة الحاضنة. كما هي رسالة الى اوروبا حتى لا تلتحق بالتصنيف الاميركي لان زعزعة الاستقرار ستعرضها لتدفق جديد للنازحين السوريين.
وفيما لم يكلف «حزب الله« نفسه، حتى بعد ثلاثة ايام، عناء استنكار التفجير اكتفت مصادر مقربة منه بالقول لوسائل اعلام موالية بان هدف العملية «زيادة الضغط عليه وتشويه صورته ليبدو كحزب عنفي» هو الموغل في دماء الشعب السوري، وحتى تشدد المصارف باجراءاتها.
ويبقى السؤال: وبعد.. الى اين المواجهة بين «حزب الله« المنشغل بأحوال بيئته الحاضنة خصوصا مع الخسائر التي تدفعها بشريا جراء انخراطه في الحرب في سوريا، وبين المصارف التي تخشى عزلة دولية؟ ويذكر مستشار سابق في مصرف لبنان المركزي بتشبيه رجل قانون فرنسي قوانين العقوبات المالية بحبوب منع الحمل «اما تؤدي مفعولها او لا تؤديه، وليس هناك نص نص».