IMLebanon

قنابل وكنائس!

 

على رغم عشرات العمليات الإرهابية التي استهدفت الأقباط في مصر، سعياً من الإرهابيين والجهات الداعمة لهم لإسقاط الدولة المصرية بضرب العلاقة بين المسلمين والأقباط، أو تحريض الجهات الغربية على التدخل بدعوى حماية الأقباط، ستبقى حادثة الهجوم الإرهابي الأخير على كنيسة مار مينا في منطقة حلوان علامة فاصلة وحدثاً تاريخياً، فبينما كانت الآلة الإعلامية القطرية تحشد كل منصاتها للاحتفاء بالهجوم كعادتها كلما ضربت القنابل الكنائس، وبينما جَيَّش الإخوان لجانهم الإلكترونية لتسويق الحدث واستخدامه والخروج بمكاسب على حساب جثث الضحايا وسلامة الناس وأمنهم، وبينما انتظر أولئك وهؤلاء بياناً لتنظيم «داعش» يعلن فيه مسؤوليته عن الهجوم، فاجأهم المصريون بإعلان مسؤوليتهم عن ضرب «داعش» في الشارع!! أظهرت مشاهد صوّرها أهالي الحي من شرفات المنازل نماذج طبيعية غير مفتعلة من دون ضجيج أو تسويق أو هاشتاغات، عكست تمسك المصريين بالحفاظ على دولتهم على رغم الصعوبات، وإصرارهم على مواجهة الإرهاب وداعميه على رغم التضحيات، ورفضهم كل الجماعات والتنظيمات التي تتاجر بالدين وتستخدمه كالإخوان وداعش على رغم الأخطار. رأى الناس كيف أمسك شاب بسلاح شرطي استشهد وهو يدافع عن الكنيسة ليصوب منه رصاصة أصابت الإرهابي، وآخر اندفع من خلف الجاني لينقض عليه، غير عابئ بحزام ناسف يرتديه. ظل الإخوان وحلفاؤهم على مدى سنوات يزرعون الفتنة بين المسلمين والأقباط ويحرضون لإحداث الوقيعة؛ لكن التصرف التلقائي والسلوك العفوي جاء ليعصف بالنظرية الإخوانية، إذ سمع الناس نداءً أطلقه إمام مسجد مجاور للكنيسة في صلاة الجمعة يطلب من المصلين التوجه لحماية الكنيسة، وإذا راجعت مشاهد اندفاع أهالي الحي من كل الزوايا والجوانب ومن خلف الأشجار والبيوت والمحلات تجاه الإرهابي، للفتك به ستدرك وكأنهم يفتكون في شخصه بالإرهاب والإخوان و «داعش» وكل الدول التي تدعم الإرهاب وتحتضن رموزه، كقطر وتركيا وكل الجهات الغربية التي تغطي الإرهابيين وتتستر عليهم وتبرر أفعالهم وتتحدث عن اضطهاد للأقباط في مصر وتستقبل دعاة الفتنة والمحرضين على قتل الأقباط!! وتتماهى مع الإخوان وتقتسم الأدوار معهم فتتهم الحكم في مصر بتلفيق القضايا إذا أمسكت السلطات بالإرهابيين، والتقصير إذا فر الإرهابيون بعد كل جريمة، وقتل المعارضة إذا ما نفذ فيهم حكم القضاء، وإخفاء المعارضين قسرياً إذا ما ترك الإرهابي أهله وأصدقاءه وسافر لينضم إلى «داعش» في سيناء أو ليبيا أو سورية!!

اللافت هنا أن أعداء الدولة المصرية من الإخوان وداعميهم كأنهم يعيشون عالماً افتراضياً صنعوه لأنفسهم ولا يرون ما يراه الناس، فعلى رغم كل تلك المعطيات والحقائق ظلوا على طريقتهم في التعامل مع الهجوم الإرهابي على الكنيسة، فالهدف الثأر من السيسي وتبييض وجه الإخوان بأي شكل، بينما غاب الكلام عن الإرهابي منفذ الهجوم، أو الجهات التي جندته وأنفقت عليه وأمدته بالسلاح والمال وحرضته على قتل المصريين مسلمين وأقباطاً.

عموماً، فإن تنامي الإرهاب في مصر مرتبط بالبيئة المحيطة التي تحولت مخازن للمتطرفين والأسلحة ومحطات للتجمع بعدما صارت ملاذات آمنة للفارين من المناطق الملتهبة قبل أن ينتقلوا، أو قل يتم نقلهم، إلى داخل الأراضي المصرية. مرتبط بالظاهرة أيضاً دول تدعم الإرهاب كقطر وأخرى تحتضن رموزه وتسعى لتحقيق طموحات إقليمية كتركيا، ودول تسعى إلى التوسع وتصدير قناعاتها العقائدية كإيران. إرهاب اليوم في مصر يختلف عن إرهاب القرن الماضي الذي كان إفرازاً لعوامل داخلية، إذ أنتج الربيع العربي تلك الحالة التي تحيط بمصر الآن. في الغرب هناك ليبيا التي تسبب حلف الناتو في تشرذمها وانقسام أهلها وتحولها مرتعاً للإرهابيين الذين استخدموا الأموال القطرية في هدم دولتهم، وتحولوا إلى مصر بعدما سقط حكم حلفائهم الإخوان، وفي الجنوب هناك السودان وتاريخ العلاقة مع المنظمات الأصولية معروف منذ حادثة اغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا بواسطة عناصر انطلقت من السودان، والمعلومات عن متطرفين وإرهابيين حظوا بالحماية أو الإقامة بدعم من الحكم هناك معروفة، أما في اتجاه الحدود الشرقية فهناك قطاع غزة ومئات الأنفاق التي نجحت السلطات المصرية في هدمها أو سدها وما زالت تكتشف غيرها وتوافد متسللين ينضمون إلى «إخوانهم» من داعش والإخوان في شبه الجزيرة وآخرين يفرون إلى القطاع بعد كل عملية إرهابية. كلها صعوبات وتحديات تواجه المصريين لكن تفاصيل تعاملهم مع الإرهابي في حلوان تجعلك تطمئن… بل تتفاءل.