Site icon IMLebanon

قنابل «داعش» العنقودية!

 

كانت نهاية الأسبوع الماضي «داعشية» دموية بامتياز عندما استيقظ العالم على أربع عمليات إرهابية وقعت في أربعة بلدان وهي الكويت وتونس وفرنسا ونيجيريا، كما أُعلن عن إفشال مخطط لتفجير قنبلة خلال عرض عسكري في بريطانيا، وقُتل إرهابيان كانا يتجهان لتنفيذ عمل دموي في الجزائر.

يأتي هذا التوسّع في العمليات الإرهابية عشية الذكرى الأولى لتشكيل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي يضم أربعين دولة، والذي أوحي بداية بأنه سيشنّ حربًا طاحنة ضد تنظيم داعش الذي تمادى في المذابح التي ينفذها في العراق وسوريا، ولكن الأمر يبدو معكوسًا لأن «داعش» هو الذي يشنّ حربه الدموية ضد العالم عندما يضرب خارج حدود ما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام».

قبل الحديث عن ردود الفعل عن الجرائم التي حصلت نهاية الأسبوع الماضي من الضروري السؤال: هل هناك غرفة مركزية تدير حرب «داعش» التي توسّعت إلى تونس حيث ضرب مرتين في متحف باردو قبل أسابيع ثم في منتجع سوسة نهاية، وإلى ليبيا حيث قدم شريط الذبح المريع على الشاطئ، وإلى فرنسا حيث ضرب صحيفة شارلي إيبدو ثم قدّم في ليون عملية الرأس المقطوع المصوَّر سيلفي أرسل إلى سوريا عبر كندا، بما يثير خوفًا من أن تكون الحلقة الكندية منكبة على شحذ السكاكين؟

ليس بالضرورة أن هناك غرفة للعمليات الداعشية الدولية، لكن هناك ما يمكن أن أسميه «توارد أفعال دموية» فأي إرهابي يمكنه أن يقوم بتنفيذ جريمته فيقيدها على حساب «داعش» للمفاخرة (وليضمن الحصول على حصته من الحوريات)، كما أن من مصلحة «داعش» أن يسارع إلى تبني هذا النوع من العمليات لترسيخ الترويع الذي حرص منذ البداية على إلصاقه بصورته، وهو ما يساعد على استجلاب المزيد من الشباب المتطرف المهووس بالعنف، وقد سبق أن تحدثت التقارير عن خلافات داخل «داعش» سببها التسابق على حجز دور للقيام بعمل انتحاري لأن الازدحام كبير!

في عودة إلى العمليات الإرهابية الأخيرة التي حصلت في تونس والكويت وفرنسا، من الطبيعي أن ينطلق سيل من الأسئلة حول ما فعله التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بعد عام تقريبًا على تشكيله، والسؤال لا يتصل بسقوط الرمادي في العراق وتدمر في سوريا فحسب، بل باتساع نطاق العمليات الإرهابية التي ينفذها مباشرة أو تُنسب إليه على ما ذكرت أعلاه، ذلك أن الوضع بات يشبه قنبلة عنقودية داعشية لها خلاياها النائمة التي يمكن أن تتحرك في أي مكان وفي أي لحظة!

لا داعي للتوقف أمام هامشية تعليق الإدارة الأميركية على العمليات الأخيرة، عندما أعلنت أنها لا تجد دليلاً على أن هجمات الكويت وتونس وفرنسا منسّقة، ولا عند التصريحات التي أدلى بها ديفيد كاميرون الذي كان يغرق في هول جثامين الضحايا البريطانيين الذين سقطوا في الهجوم على منتجع سوسة، حيث قال إن هزيمة الإرهاب تتطلب وقتًا وسنتواصل مع باقي الدول لمواجهة الإرهابيين، و«إن الهجمات على الكويت وتونس وليون الفرنسية، تشكّل تذكيرًا همجيًا ومأساويًا بالتهديد الذي يمثله الإرهابيون، ونحن سنعمل معًا من أجل ألا ينتصر الإرهاب»!

هكذا: العمليات تشكّل «تذكيرًا».. و«سنعمل»؟

هل يجوز بعد عام على قيام التحالف الدولي أن يقال مثل هذا الكلام، رغم المسلسل المريع للجرائم التي عرضها «داعش» على عيون العالم، وهل من الضروري أن أقول: «صحّ النوم» إذا كانت مذابح سوسة والجامع الكويتي وسيلفي الرأس المقطوع قد شكّلت «تذكيرًا» بالتهديد الإرهابي، لكن متى «سنعمل» فعلاً، من أجل ألا ينتصر الإرهابيون؟

لا داعي للبحث عن جواب، فمع الجثامين العائدة من سوسة كانت بريطانيا تتخوف من عمل إرهابي كبير ومزلزل، وخصوصًا بعد الإعلان عن إفشال عملية تفجير كانت تستهدف عرضا عسكريًا، ثم هل نسي البريطانيون كيف جرت عملية حزّ رقبة الحارس في ضاحية لندن؟

في فرنسا يبدو القلق مشابهًا وإن كان الكلام مختلفًا نسبيًا، ذلك أن وزير الداخلية برنار كازنوف يتحدث عن إجراءات أمنية لمواجهة تهديد مرتفع في فرنسا وأوروبا، لكن المثير أنه لم يكشف عن إجراءات جديدة لأن تلك المعتمدة منذ هجمات شبكة الأخوين كواتشي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تمثّل عمليًا الحد الأقصى الذي يمكن اتخاذه لمواجهة الإرهابيين وخلاياهم النائمة!

وإذا كان هذا هو الحد الأقصى فعلاً فإن فرنسا أمام كارثة مقلقة، وخصوصًا في ظل حديث الداخلية عن أن هناك 1700 فرنسي التحقوا بـ«داعش» في سوريا والعراق، وأن 217 منهم قد عادوا إلى البلاد بما يعني عمليًا احتمال أن تكون 217 قنبلة قد دُسّت تحت وسادة الفرنسيين وحكومتهم، وهو ما يدفع رئيس الوزراء مانويل فالس إلى القول إن فرنسا تواجه تهديدًا إرهابيًا خطيرًا وإنها حرب حضارات يشنّها المتطرفون ضد القيم الإنسانية!

ولكن هل الوسادة الفرنسية وحدها التي باتت تنام على قنابل «داعش» العنقودية؟

طبعًا لا فقياسًا باللوائح التي سبق أن نُشِرت عن أسماء الذين غادروا بلادهم وعددها يصل إلى مائة دولة والتحقوا بـ«داعش»، وآخرهم مثلاً طالبة الطب ابنة مدير إدارة الشؤون العربية في وزارة الخارجية السودانية التي سافرت مع مجموعة من الأطباء إلى سوريا للالتحاق بالتنظيم الإرهابي، فمن الطبيعي أن تتحسس حكومات كثيرة رأسها خشية خطر العائدين من أبنائها كقنابل موقوتة.

هل كان من الضروري أن يضرب الإرهابيون في كل هذه الأماكن دفعة واحدة وتقريبًا بعد عام على قيام التحالف الدولي، لكي تُجمع التعليقات في معظم العواصم على أنه لا يوجد تفسير ولا تبرير ولا منطق للعمليات الإجرامية المتصاعدة، وأنه من الملح والضروري وضع استراتيجية دولية جادة وقوية لضرب الإرهاب المتنامي؟

ليس من دولة قادرة وحدها على مواجهة الخلايا الإرهابية التي قد تنشط فجأة فتتحول مثلاً من شاب دمث وهادئ ورقوص إلى انتحاري إرهابي متوحش هو ياسين صالحي، الذي أطلق الرصاص على السياح الأبرياء في منتجع سوسة، أو مثل فهد القباع الذي فجر نفسه في المصلين الأبرياء في مسجد الإمام الصادق في الكويت!

لهذا عندما تذهب الكويت إلى ما يشبه حال الحرب لمواجهة التهديدات الإرهابية ونقرأ للمرة المائة أن أميركا تعيد النظر في استراتيجيتها المزعومة ضد الإرهاب فليس لنا إلا السخرية المرة!