نعمة افرام نموذج رجل الأعمال الذي يظن أن الثروة المالية التي ورثها تتيح له الحصول على كل ما يشتهيه من المجلس البلدي في مدينته إلى رئاسة الجمهورية، متخيّلاً نفسه أقوى وأذكى من كل رجال السياسة. انشغالات العماد ميشال عون الكثيرة تركت مهمة “ترويض” هذا النموذج للنائب السابق منصور البون
ثمة “صوفا” قديمة في صالون النائب السابق منصور البون يغفو فوقها رئيس جمعية الصناعيين نعمة افرام منذ عدة أسابيع، منتظراً أن يردّ عليه البون خبراً بخصوص انتخابات جونية البلدية. يحمل افرام في يده عدد مجلة الاقتصاد والأعمال الذي خصّص له غلافاً بعنوان “فخامة نعمة افرام” ويسرح خياله ويمرح.
كان يتوقع أن يضطر إلى توديع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عند الباب ليجد العماد ميشال عون وخلفه صف طويل من الفعاليات الكسروانية التي تطلب منه التكرم عليهم جميعاً بتشكيل لائحة نخبوية من أقربائه وموظفيه كما فعل عام 2010. كان يتوقع أن يعود يومياً إلى بيته ليجد آلاف الأهالي يحيطون بالمنزل يرجونه تشكيل اللائحة. لكن لا شيء من هذا كله حصل. توقع أن يحظى مشروعه الرئاسي ونهجه السليمانيّ ونجاح شركته في تنظيم مهرجان نخبويّ سنويّ في جونية بإقبال جماهيريّ استثنائيّ؛ إلا أن توقعاته جميعها لم تصب. فلا أحد “تعمشق” به غير القوات اللبنانية التي ما كادت تشعر بضعفه حتى طالبته بتسمية ستة مرشحين، سواء على لائحته (للانتخابات البلدية في جونيه) أو أيّ لائحة ينوي السير بها، مهدّدة بسحب بساطها من تحته في حال تمنّعه. وهكذا فوجئ افرام بنفسه في المرآة الانتخابية غير ما كان يتخيّلها بالكامل. وانتقل في الأيام القليلة الماضية من صانع لوائح انتخابية إلى باحث عن لائحة تحفظ له ماء الوجه. فأبو فؤاد (البون) يتمسك بمرشحه فؤاد بواري، وبين فؤاد وأبو فؤاد سقط فادي فياض، مرشح افرام إلى رئاسة المجلس البلدي. طرح افرام فياض رئيساً للائحة توافقية، فسقط اقتراحه. طرحه مرشح مواجهة، فسقط اقتراحه. طرحه رئيساً لثلاث سنوات ومرشح البون فؤاد بواري ثلاث سنوات، فسقط الاقتراح أيضاً. يرفع افرام شعار “شوف لبعيد” في حملته الانتخابية، مالئاً أوتوستراد جونية بهذا الشعار، فيما الواضح أنه يعاني مشكلة في النظر عن قرب لا عن بعد فقط. كان يرفع شعار “جونية التجدد” أيضاً، فيما انتهى به الأمر بالسعي للتجديد لبواري، أقدم عضو في بلدية جونية والرجل الأقوى في غالبية المجالس البلدية السابقة؛ فهم التجدد تجديداً إذاً. ولم يكن ينقصه فوق هذا كله سوى تمسك النائب السابق فريد هيكل الخازن بمرشحيه ربيع حكيم وملحم عضيمي اللذين تنسب إليهما شوارع جونية كل الإهانات الخازنية لوالد نعمة، الوزير الراحل جورج افرام، في مشكله السابق مع النائب الراحل رشيد الخازن. ماذا يفعل نعمة وأين يذهب؟ كل الاستطلاعات وأجواء جونية تتحدث عن تسونامي عونيّ لم يسبق لصناديق المدينة أن شهدت مثله. من نصحه بالترفيه عن نفسه من أعماله الكثيرة بالعمل السياسيّ؟ كيف أقنعوه بأنه يصلح لأن يكون رئيس جمهورية، فيما هو يبدو عاجزاً اليوم عن الفوز في مدينته برئيس بلدية أو نائب رئيس أو مجرد عضو بلدي؟ رؤيويته السياسية دفعته يوماً إلى المبالغة في تبييض الوجه مع رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان على حساب علاقته الوطيدة بالعماد ميشال عون، فبالغ في انتقاد الأخير مفترضاً أن أيام عون السياسية معدودة فيما سليمان باق. واليوم أيضاً لم يُبقِ لنفسه مخرج طوارئ. هل يرفع الرايات البيضاء فوق سطح منزله؟ يسافر على عجل؟ يقنع نفسه بالحديث القائل إنه لا كرامة لنبي في قومه، أم ماذا؟ يطلب من زوجة عمه الترشح بعدما جَرب عمه، في ظل مراعاة أفراد أسرته له وتفهمهم لوضعه. يحنّ عديله النائب السابق فريد هيكل الخازن كثيراً عليه، ويحاول التوسط لدى البون ليراعيه أكثر. البون يعلم أن معركته خاسرة في مواجهة جوان حبيش (المدعوم من التيار الوطني الحر). حبيش وحده حصد أكثر من 40 في المئة من أصوات المقترعين في انتخابات جونية البلدية السابقة، فيما هو اليوم مرشح العماد ميشال عون، القوة الأولى في جونية، إضافة إلى حزب الكتائب وكل المستائين من أداء المجلس البلديّ، علماً بأن كثيرين أعطوا في الانتخابات السابقة آل افرام فرصة حين أيّدوهم في صناديق الاقتراع لكنهم لم يحصدوا غير الخيبة. الـ”بيزنس” شيء والعمل السياسي والإنمائي والخدماتي شيء آخر. اقتنع الناخبون ولم يقتنع افرام. يدعوه البون ليلاً أن “لا يعتل هم” فيتسرب الخبر سريعاً لبعض القنوات التلفزيونية بأنها فرجت وسينجح خصوم حبيش في تشكيل لائحة. إلا أن كلام أبو فؤاد في الليل يمحوه النهار. يجمع كل من يعرفه باستثناء افرام الذي يفاجأ عند استيقاظه بتفصيل جديد صغير يعيد كل شيء إلى الصفر. في حال تمعنه في المشهد قليلاً، سيكتشف أنه خسر صفته كعراب التوافق، وتنازل عن رئاسة اللائحة، ثم رئاسة اللائحة مداورة، ثم سقطت فيتواته على بعض المرشحين، وبات يكفيه الحصول على أربعة أعضاء على لائحة البون، ورغم هذا كله يهرب البون منه. ثمة مجموعة من المخضرمين المحنّكين الذين لا يكفيهم أن يخلع افرام كل ثيابه؛ يريدون أكثر. اضطر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى الدخول على خط البون قبل بضعة أيام، علّ خبرته السياسية تتيح له فهم ما يعجز افرام عن فهمه. لكن البون شرب فنجانَي قهوة بدل الفنجان، سائلاً مستضيفه مراراً وتكراراً عمّا ينصح بفعله، وبسط كفيه موحياً بجهله الكامل بكيفية حل هذه الأحجية. والآن، سواء أفرج البون عن اللائحة أو أبقاها كما هي ــ لا معلقة ولا مطلقة ــ بضعة أيام إضافية فإن معركة جونية انتهت. أنهت ماكينة حبيش والتيار الوطني الحر عملها، فيما افرام يذهب ويجيء إلى الرابية أول أسبوعين وعند البون آخر أسبوعين. وجد الجنرال في البون أخيراً شريكاً استثنائياً في تركيب اللوائح يفهم عليه “على الطاير”، ويعلم أن الجزء الأهم من الانتخابات يبدأ عند بدء البحث في تشكيل اللوائح وينتهي عند إعلان اللوائح، وهناك دائماً “فخامة” ما يمكن الاستفادة من فائض ثقته بنفسه.