أي مشاورات ننتظر، وأي تسوية جديدة نتوقع، ونحن نرى حبل الودّ الذي امتدّ طويلا، في أعقاب اعلان الرئيس سعد الحريري استقالته من الرياض، يقصر شيئا فشيئا، بين خلاّن المرحلة الرئاسية، ومساحة التفاهم تتقلّص، أقلّه على المستوى التعبيري للعلن…
فعشيّة فتح الصفحة التشاورية في بعبدا، كان غياب لبنان عن مؤتمر تحالف الدول الاسلامية ضد الارهاب في الرياض، رغم الدعوة الملكية للرئاسة، والتي أعقبتها موافقة رسمية وتكليف لوزير الدفاع يعقوب الصرّاف، بتمثيل لبنان في مؤتمر الأربعين دولة، فسحب للتكليف في اللحظة الأخيرة!
ذريعة وزارة الخارجية التي أفتت بإلغاء المشاركة، هي ان لبنان لم ينضمّ الى هذا التحالف، رغم ظهور اسمه بين أعضائه الواحد والأربعين. وقد أثار الأمر في حينه جلبة حكومية، فرئيس الحكومة تمام سلام رحّب بالانضمام الى التحالف، انطلاقا من كون لبنان في الخطوط الأمامية بمواجهة الارهاب، وكان يومها في مواجهة فعلية مع داعش والنصرة، بينما الفريق الآخر في الحكومة فضّل الالتزام بمبدأ النأي بالنفس، الذي كان اعتبره مجرد حبر على ورق في المجالات الأخرى…
مؤكد ان المملكة، ما كانت لتوجه مثل هذه الدعوة الى لبنان، لو لم تكن واثقة من انه عضو في التحالف، كما هو عضو في مختلف المؤسسات الدولية الاسلامية الجامعة، وتاليا ما كان الرئيس ميشال عون قبل الدعوة وكلّف وزير الدفاع بتلبيتها أساسا!…
والواضح ان خطبا ما، أو ضغطا ما، مورس على الدولة لالغاء مشاركتها، تحسبا كما يبدو، لصدور توصيات باضافة أطراف مشاركة بالحكومة، الى لوائح الارهاب.. لكن التوصيات التي صدرت، اقتصرت على التنسيق بين الجيوش وتعزيز الرقابة المالية والتصدّي للارهاب في المجال الفكري الواسع…
هذا الفاول كما يصفه أحد دهاقنة ١٤ آذار، أضاف عقدة جديدة الى حبل المشاورات الطويل والتي بدأ الرئيس عون يقرع بابها، كبديل للحوار التقليدي المملّ، واستجابة لشروط الاستقالة الحريرية، والتي دعمها رئيس الحكومة بتصريحات أقلّ مرونة مما سبق، حيث شدّد لمجلة الرجل السعودية، على ان استقرار لبنان هو لعبة ايران، التي تستخدم حزب الله كذراع لها في المنطقة. رافضا في مجال آخر تصريحات الرئيس حسن روحاني، التي أكدت كما جعفري وولايتي على نفوذهم في لبنان، ومذكّرا بالمساعدات السعودية للبنان في كل المراحل ومن دون تفرقة بين لبناني وآخر… في حين ان حزب الله، لا يملك القدرة على ادارة البلد، وقوته تأتي من السلاح المموّل ايرانيا…
حديث الحريري هذا تميّز بكونه سابع كلام له منذ عودته من الرياض، وقد ذكر السعودية، في مناسبتين من أصل السبعة، وردّ على تصريحات الهيمنة الايرانية، أمس، للمرة الثانية، بعد خطاب الاستقالة، ليؤكد اليوم على كلام الأمس.
في هذه الأثناء، العزف الايراني على وتر الدواخل اللبنانية مستمر، وآخره كلام قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري، الذي قال ان سلاح حزب الله غير قابل للنقاش، هذا القول ليس جديدا، لكن الجديد هو في تطابق كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد مع حرفية كلام جعفري في وقت سابق بما يجعل من التريث وبالتالي من المشاورات التي سيجريها الرئيس ميشال عون، غير ذات أفق.
وعلى هذا هل يمكن القول ان الكتاب يقرأ من عنوانه؟
لا شك انه من المبكر التوسّع في التحليل والاستنتاج، لكن ثمة كلاما مستجدا عن تعجيل موعد الانتخابات النيابية، ضمن اطار ما تسمح به المهل القانونية، وهذا الكلام مصدره أهل القول والشور، والذين لا يطلقون الأخبار جزافا، ومعنى ذلك ان تقديم موعد الانتخابات، ليس دافعه شعور المعنيين بتحسن صورتهم الانتخابية وحسب، بل أيضا وفي الأساس، قناعتهم بأن موضوع التسوية السياسية المطلوب ترميمها بأن موضوع التسوية السياسية المطلوب ترميمها غير قابل للنقاش الآن، كحالة سلاح حزب الله، وأفضل ما يشغل اللبنانيين عن التريث والاستقالة الحكومية، وتصحيح مسار النأي بالنفس، فتح بازار الانتخابات النيابية باكرا…