درجت الصحف اللبنانية والعربية على التوجه إلى “النخب” السياسية أو إلى الإعلاميين، أو إلى الكتّاب، لسؤالهم ماذا قرأوا في الصيف أو أي كتاب يقرأون حالياً أو أي كتاب يقترحونه على القرّاء. وذات يوم بعيد، أو متوسط البعد، نشرت صحيفة الديار، تحقيقاً تحت عنوان “أيها السياسي ماذا تقرأ” وجاء جواب النائب السابق وجيه البعريني مختصراً وواضحاً:” أقرأ يومياً صفحات من معاناة الشعب”.
وفي العام 1988، وهي السنة التحضيرية لانتخابات رئاسية لم تحصل، كتب الأستاذ حازم صاغية في صحيفة “السفير” بورتريهات المرشحين الموارنة للرئاسة، من سمير جعجع إلى الياس الهراوي، بعدما قابل معظمهم وطرح عليهم أسئلة لاختبار مستواهم الثقافي وفهم خياراتهم. فسأل الهراوي ماذا يقرأ أجاب النائب “مجلة باري ماتش”، كتاب واحد حضرة النائب. لا يوجد في ذاكرة من أصبح رئيساً لتسعة أعوام سوى المجلة الفرنسية الواسعة الإنتشار “باري ماتش”.
اليوم لا يقرأ السياسيون سوى ما يصرّحون به، ومختصر ما يصرّح به خصومهم، ويتعمّقون في تحليل بعض استطلاعات الرأي حول هوى الناخبين في لبنان وسائر العالم. ويقرأون من وقت إلى آخر مقتطفات غب الطلب من الدستور كما يقرأون أيضاً في نفس الكتاب الذي غرف منه الأستاذ وجيه البعريني.
وماذا يقرأ عامة الناس اليوم؟
يقرأون بالتأكيد وبدرجة أقل عن الأعوام السابقة للـ 2019، كتب الأبراج، في حال كان تحميلها مجانياً.
ويقرأون وصفات أكل غير مكلفة في كتب متوافرة في مكتبة المطبخ الواقعة بين الطناجر والرِكاء والمقليات ( جمع مقلاة).
ويتبحّرون في علم الأرقام المقارن، الشقيق غير التوأم للأدب المقارن، على سبيل المثال يقرأ من جمّد جنى عمره في مصرفه، بالليرة اللبنانية، على أمل أن يتقاضى كل فصل ما يوازي الثلاثة آلاف دولار فصار ينتظر كل فصل 180 دولاراً، تكفيه لشراء مهدئات وتقسيط تابوت مستعمل.
وتندرج في علم الأرقام المقارن، تعاميم مصرف لبنان، التي حوّلت صغار المودعين إلى حيوانات فيها الأليف المدجّن وفيها الشرس، بحسب حساباته.
ويقارن اللبنانيون كل يوم أسعار البطاطا واللوبياء والسلق بين أسواق طرابلس وصيدا وبيروت، ويقومون بـfeasibility study أي دراسة جدوى التحوّل إلى نظام غذائي قوامه علف الأغنام والدجاج.
ويقارن اللبنانيون، كلفة التوجه سيراً على القدمين إلى العمل، لجهة استهلاك الأحذية، ووجد كبير الإقتصاديين أن تناوب عاملين على حمل بعضهما البعض إلى مركز العمل يقوي عضلات الأفخاذ ويوفر استهلاك الأحذية إلى النصف.
وصار اللبنانيون يقرأون بشكل منتظم، سعر صرف الدولار، مع شروق كل يوم، وتليه بأولوية القراءة، أرقام الإصابات بالكورونا ثم أعداد اللبنانيين الواقعين تحت خط الفقر المدقع، ثم أرقام فواتير ما بعد الموازنة، بعد ضربها بـ 18.
بعد هذه الجولة العلمية، سأنصرف إلى قراءة كتاب “وداعاً أيها السفلة” على أن أعود لاحقاً إلى دراسة أرقام العداد ومقارنتها بسعر الكيلوواط.