مخاوف من حلول واتفاقات حدودية على حساب سيادة الدولة واستقرارها ووحدتها
ما يزال التصعيد العسكري الحاصل بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود اللبنانية الجنوبية، يخفي في طياته سباقا على تفاهمات واتفاقات تعقب انتهاء العمليات العسكرية وتمهد لمرحلة إعادة الأوضاع واستتباب الامن والسلام التي تليها، والمكاسب والاخفاقات التي يجنيها هذا الطرف او ذاك، بالرغم من المخاوف من تحوله إلى حرب واسعة النطاق بين الطرفين، تتجاوز حدود قواعد الاشتباك القائمة في المناوشات وعمليات القصف وتبادل اطلاق النار السائدة حتى اليوم.
ولعل ما يقلل من احتمالات انفجار الاوضاع على نطاق واسع بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي بما يتجاوز مايجري حاليا على الحدود الجنوبية اللبنانية، وبما يشبه الحرب الإسرائيلية العدوانية على قطاع غزة، حصول أكثر من تطور واستفزاز قامت به إسرائيل ضد الحزب في لبنان، وفي مقدمته التجرؤ على اغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري ورفيقيه في الضاحية الجنوبية لبيروت وضمن المربع الامني لحزب الله مؤخرا، في محاولة مكشوفة لاستجرار ردة فعل استثنائية للحزب على هذه الجريمة، تتجاوز تداعياتها ومؤثراتها، قواعد الاشتباك القائمة بين الطرفين، وتؤدي إلى تفلت الاوضاع نحو حرب مفتوحة وعلى نطاق واسع. ولكن ما حصل ان حزب الله استوعب الضربة، ورد عليها ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها، لتنفيس احتقان جمهوره، ولكن لم يتجاوز حدود الاشتباك القائمة مع الاسرائيليين.
لم يتوقف الامر عند هذا الحد، وانما تجاوزت عمليات القصف والتحرش الاسرائيلي اماكن بعيدة عن مناطق الاشتباكات المعهودة واستهدفت كوادر اساسية من الحزب، وبقيت ردود الفعل عليها، بعيدة عن التفلت والحرب المفتوحة.
وفي المقابل، ركزت مواقف المسؤولين الاميركيين على كل المستويات، واخرهم وزير الخارجية انطوني بلينكن في جولته على بعض دول المنطقة، على حصر الحرب الدائرة في قطاع غزّة، ومنع توسعها شمالا مع حزب الله، وذلك بالتزامن مع دعوة مماثلة من فرنسا وبريطانيا والاتحاد الاوروبي، ما شكّل موقفا موحدا ورافضا لتوسع الحرب الإسرائيلية تجاه لبنان، وحرم الدولة العبرية اي غطاء على هذا المستوى لتوسعة عملياتها العسكرية ضد الحزب واستهداف لبنان من خلالها.
وقد بات هذا التوازن الدقيق في المواقف الاميركية والاوروبية الرافض لتغطية اي اعتداء إسرائيلي على لبنان، مقابل عدم انجرار حزب الله لردات فعل غيرمحسوبة على الاختراقات وعمليات الاغتيال الاسرائيلية بالداخل اللبناني، ورفض النظام الايراني لأي مغامرة غير محسوبة خارج حساباته ومصالحه مع الغرب، هو الذي يمنع الزج بلبنان في الحرب الإسرائيلية حتى اليوم، في حين يخشى ان تطول حرب غزّة اكثر وما قد ينتج عنها من تداعيات وتدهور، يمكن أن يتجاوز هذا التوازن الدقيق، ويزيل الغطاء والموانع الاقليمية والدولية التي تحمي لبنان اليوم.
وتبقى في خلاصة التهديدات الإسرائيلية اليومية والمتكررة ضد حزب الله ولبنان، الدعوة لحل سياسي لمشكلة التصعيد العسكري الحاصل بين حزب الله وقوات الاحتلال، عنوانها إنهاء الوضع السائد على طول الحدود اللبنانية الجنوبية وتنفيذ القرار ١٧٠١، بمضمونه او بصيغة تفاوضية باتت موضع اخذ ورد وتبادل اراء واستطلاع وجهات نظر وطرح تعديلات تشمل مطالب واقترح حلول للمشاكل الموجودة على الحدود ومطالب والتزامات، وفي المقابل دعوة صريحه اطلقها الامين العام لحزب الله حسن نصرالله لاستغلال الفرصة لمايحصل بالاشتباكات العسكرية مع الاسرائيليين، لتحرير آخر شبر من الاراضي اللبنانية المحتلة، مايعني ان الحزب يقابل مساعي التفاوض لايجاد حل للاوضاع المتدهورة جنوبا بالقبول وليس بالرفض، وهذا يصب في مصلحة لبنان، إذا كانت المفاوضات تتولاها الدولة اللبنانية بمؤسساتها الدستورية حصرا، بما يصب في بسط سلطتها وسيادتها على كل الاراضي اللبنانية، ويؤمن مصالحها، وليس مايروج بأن هدف أي مفاوضات هوضمان الحفاظ على سلاح حزب الله في مناطق محددة وضمن ضمانات وتعهدات لبنانية ودولية، لان ذلك وتحت اي صيغة او عنوان كان، هو مرفوض ولن يكون لمصلحة الدولة اللبنانية واللبنانيين على حد سواء، بل على العكس، سيكون على حساب سيادتها ووحدة لبنان واستقراره.