IMLebanon

نقل المخيمات الحدودية خطوة لا بُدّ منها

يسود الاعتقاد بأنّ المخيمات السورية في لبنان لم تنشأ بالصدفة. إذ بالعودة الى مرحلة تحوّل الثورة من حركة سلمية الى مرحلة العسكرة والتدقيق في الكثير ممّا حصل، سيكتشف المنقبون أنّ هناك عملية ترحيل منظمة حصلت في اتجاه لبنان لم تكن الأولوية فيها أمنية بمقدار ما كانت اقتصادية قبل أن تتحوّل مذهبية. فكيف ولدت هذه المعادلة؟

تُظهر الإحصائيات التي وضعَتها الجهات الدولية المعنيّة بشؤون النازحين السوريّين، سواء تلك التابعة لهيئات الأمم المتحدة أو الأهلية الإقليمية والدولية، أنّ هناك فوارق كبيرة في النظرة الى تركيبة النزوح السوري الى دول الجوار السوري. فالنازحون الى الأردن وتركيا والعراق في تركيبتهم الجغرافية والطائفية العائدة للتركيبة السورية وتعدديّتها هم أكثر تنوّعاً من النازحين الى لبنان.

ومردّ ذلك، كما أظهرت الإحصائيات المخفية، أنّ النازحين الى الأردن وتركيا وصلوها انطلاقاً من مناطق جغرافية سورية متجاورة وحدود البلدين، بدليل أنّ النازحين الى الأراضي التركية والأردنية كما العراقية ما زالوا على تواصل شبه روتيني مع مناطقهم الأم نظراً الى العلاقات العائلية والعشائرية عَدا عن التجارية والمالية المنظمة التي كانت قائمة بين جانبي الحدود، ما سمحَ بعودة كثر الى قراهم.

امّا على الجانب اللبناني، فقد أظهرت الإحصائيات الميدانية أنّ لبنان استضاف عشرات الآلاف من العائلات السورية من مناطق جغرافية سورية مختلفة بعيدة كل البعد عن الحدود المشتركة بين البلدين، ذلك أنّ النزوح الإقتصادي السوري الى لبنان منذ اربعة عقود على الأقل سمح بالإتيان بالنازحين السوريين لِلَمّ شمل العائلات في لبنان من أقصى شمال سوريا وشرقها قبل أن تجري عملية الترحيل المنظمة من أرياف دمشق وحمص والقصير والقلمون وتل كلخ وحلب الى جرود عرسال ومحيطها كما قرى سهل عكار لأسباب تتصِل بشكل الحروب التي شهدتها والتي اتخذت شكلاً من أشكال التطهير المذهبي والطائفي، وهو أمر حال ويحول دون عودة مئات الآلاف منهم اليها بعد تنظيفها من المسلحين.

وتكشف الدراسات الإحصائية أنّ حجم النزوح الإقتصادي الى لبنان ظهَر عند مباشرة التدابير على المعابر الحدودية للفرز بين اللاجئين والنازحين للتخفيف قدر الإمكان من كلفة النزوح الأمنية والمالية والتربوية والإقتصادية التي ألقت بظلالها على الدولة ومؤسساتها والمجتمعات المضيفة.

على هذه الأسس، بُنيت الكثير من الخطط الأمنية التي تَلت تَوغّل المسلحين من «داعش» و«النصرة» في عرسال في آب من العام الماضي، وبريتال في تشرين الأول الذي تلاه، وخصوصاً عندما برزت مشكلة المخيمات العشوائية الحدودية التي باتت خارج منطقة انتشار الجيش، فشكلت سبباً لأن تتحوّل، كما في جرود عرسال ومحيطها لجهة تلال رأس بعلبك والقاع، بوّابة عبور سهلة للمجموعات الإرهابية للتحصّن فيها، وتحويلها من مخيمات لها طابعها الإنساني الى مربعات أمنية شارك قاطنوها في العمليات التي استهدفت الجيش.

وقياساً على تجربتي عرسال وبريتال، أزالت وحدات الجيش المخيمات العشوائية الواقعة على النقاط الحدودية في البقاع الأوسط والغربي ونقلتها الى العمق اللبناني ما إن انفجر الوضع الأمني في ريف دمشق الغربي والقلمون الأوسط المقابلة للقرى اللبنانية لمَنع ايّ تماس بين المسلحين وهذه

المخيمات فور دخولهم الأراضي اللبنانية منعاً لتكرار التجربتين العرسالية والبريتالية السابقة.

وعليه، وقياساً على التجربة التي بوشر فيها في البقاعين الأوسط الغربي، طرحت مشكلة نقل المخيمات السورية العشوائية الخارجة على نطاق الجيش في عرسال وإمكان تفكيكها لمنع أيّ ربط جغرافي وامني وعسكري مع المسلحين ووَقف استخدامها بوابة لتأمين المأكل والمال والسلاح ونقلها الى مناطق أخرى بعيدة عن خطوط التماس ضماناً للخطط الأمنية التي تُعزّز سيطرة الجيش على الحدود.

وأمام البحث في هذه الخطوة الكبيرة عوائق كبيرة، وانّ أخطرها وأهمها ما ستكون عليه ردة فِعل المسلحين عندما تنقطع بهم سُبل التواصل مع لبنان. وهل بقدرة لبنان تحمّل النتائج المترتبة عليها؟ وكيف سيكون رد فعل الجيش الذي بات على جهوزية عسكرية جيدة تعزّز قدراته للمواجهة؟