لا تبدي السلطة التنفيذية، سواء في رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة أي نيّة للقيام بأي خطوة إجرائية تترجم المواقف التحذيرية التي أطلقتها فور وصول السفينة ENERGEAN power إلى حقل كاريش الموجود على الخطّ 29 (جزء كبير منه موجود جنوبي الخطّ)، في وقت تواجه فيه ضغوطاً لتعديل المرسوم 6433 الحدودي لضمان عدم المسّ بحقوق لبنان النفطية. وقد سارع وزير الحرب الإسرائيلي إلى التأكيد أنّ منصة استخراج الغاز تقع ضمن نفوذ إسرائيل وليس في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان، ما يعني عدم تجاوزها الخطّ 29 في محاولة للردّ على التحذير الذي وجهته السلطات اللبنانية… مع العلم أنّ وزير الخارجية عبدالله بو حبيب كشف أنّه «ليس معلوماً ما إذا كان الحفر هو في الحدود الفلسطينية المحتلة أو في الحدود اللبنانية المختلف عليها».
في هذه الأثناء، كشف وزير الخارجية أن التواصل مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين قد بدأ، مع أنّ العرض الذي تقدّم به الدبلوماسي الأميركي في جولته الأخيرة، هو عبارة عن خطّ متعرّج لم يعط لبنان كامل الخطّ 23، وترك جزءاً من حقل قانا خارج الخطّ 23 بعد توسيع حصّة لبنان بعض الشيء، واقتطع بالمقابل جزءاً من البلوك 8. ولهذا أبقت السلطات اللبنانية موقفها النهائي من المقترح ملكها ولم تسارع إلى ابداء موافقتها. وحده الوزير السابق ميشال نجار يبدو في هذا الوقت، «ممنوناً» و»مرتاحاً» لما فعله قبل مغادرته وزارة الأشغال بعد الحملة التي نظّمت ضدّه بهدف دفعه إلى توقيع المرسوم، حين كانت حكومة حسان دياب في زمن تصريف الأعمال ما حال يومها دون انعقاد مجلس الوزراء لاقرار المرسوم. ويتضمن التعديل إشارة إلى أنّ «خطّ الحدود البحرية الجنوبية للبنان الممتد من النقطة 18 إلى النقطة 23 لا يستند لأي أساس تقني وهو غير متطابق مع أحكام القانون الدولي العام. وأنّ خطّ الحدود السليم من الناحية التقنية والقانونية هو الخطّ الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة ويعتمد طريقة خطّ الوسط، من دون احتساب أي تأثير للصخور المتاخمة لشاطئ فلسطين المحتلة لا سيما صخرة تخليت. كما يذكر مشروع المرسوم أنّ «هذا الخطّ من شأنه تحويل حقل كاريش والبلوك 72 من مناطق اسرائيلية صرفة إلى مناطق متنازع عليها، مما يلزم العدو الإسرائيلي بموجب القانون الدولي بوقف جميع أعمال التنقيب فيها ويحفظ بالتالي حقوق لبنان بموارده النفطية والغازية». في الواقع، فإنّ المسار الذي سلكه الفريق العوني منذ تشكيل الوفد المفاوض في تشرين الأول من العام 2020، جعله الأكثر عرضة للانتقادات بفعل إصراره على الإمساك بالملف ليكون أكثر المعنيين به، بعدما كان رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولسنوات، هو الواجهة الرسمية للتفاوض.
فالرئاسة الأولى، ومع تشكيل الوفد المفاوض اتهمت بتجاوز مقتضيات الدستور، وتحديداً المادة 52 من الدستور، حين توجه أمين عام مجلس الوزراء القاضي محمود مكيه، إلى المديرية العامة لرئاسة الجمهورية بكتاب، ذكّر من خلاله بأنّ المادة 52 من الدستور اللبناني بعد تعديلها بموجب وثيقة الوفاق الوطني اللبناني في الطائف، تنصّ على أنّه «يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء، وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة». وأشار إلى أنّه «على هدي ما تقدّم، فإنّ أي اتفاق أو معاهدة أو صك، وقبل الموافقة على أي منها وإبرامه من قبل مجلس الوزراء صاحب الاختصاص، فإنّ التفاوض والتكليف بالتفاوض بشأنها يكون بالاتفاق المشترك بين رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء، وأن أي منحى مغاير يشكل مخالفة واضحة وصريحة لنص دستوري مع ما يترتب على ذلك من نتائج». ثمّ تمنّعت الرئاسة الأولى عن توقيع الموافقة الاستثنائية، رغم توقيع المئات منها خلال حكومة حسان دياب وقبلها، بحجة «أنّ مشروع المرسوم يستند في بناءاته على موافقة مجلس الوزراء، الأمر الذي لم يحصل، على ما يجب عليه أن يكون الوضع القانوني السليم وفقاً لرأي هيئة التشريع والاستشارات رقم 71 تاريخ 17/2/2021». وها هو الفريق العوني موضع تصويب من جديد بسبب التلكؤ في توقيع مشروع مرسوم تعديل المرسوم 6433، الذي تبيّن أنّ الأمانة العامة لمجلس الوزراء أعادته إلى وزير الدفاع موريس سليم (المحسوب على رئاسة الجمهورية) فور تشكيل حكومة نجيب ميقاتي قبل إيداعه بقية الوزراء المعنيين، لكنه بقي هناك.
وفي محاولة لاخراج المرسوم من بازار التجاذب السياسي في الحكومة، قدم النائب حسن مراد الى مجلس النواب اقتراح قانون معجلا مكررا «لتعديل المادة 17 من القانون 163/2011 وتضمينه خريطة واحداثيات ترسم حدود المياه الاقليمية الجنوبية والمنطقة الاقتصادية الخالصة جنوبا، وفقا للخط الذي رسمته مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش.