لم يفوّت فخامة الرئيس فرصة الصلاة البابوية – الأزهرية لإزاحة كابوس “كورونا”، فدعا الى المشاركة مستعيداً بزَّة الجنرال: “فلتصمت الأصوات العابثة بوحدتنا”.
كلنا مع الرئيس في الوحدة وروعة أن “تتعانق أصوات المآذن مع قرع الأجراس”. ورغم اننا “تفوَّقنا على أنفسنا” متجاوزين الطائفية المكروهة الى المذهبية المقيتة، فإننا نرفض ان نردّد مع الفيلسوف المَعَري وصْفَه للفُرقة قبل ألف عام: “هذا بناقوس يدق… وذا بمئذنة يصيح”. ولا يزال معظمنا متلهفاً لشعار صائب بك، طيَّب الله ثراه، “لبنان واحد لا لبنانان” مع انه صار لبنانات بفعل “مآثر” حاكميه.
اللهجة الآمرة. حبذا لو سمعناها في “المجلس الأعلى للدفاع” كي تُقفل معابر التهريب ويوضع الكلام موضع التنفيذ، بدل ميوعة القرارات والتعبير الفاضح عن عجز الدولة امام دولة المهربين، وبدل إنقاذ ماء الوجه بمرسوم السراي المحتمي بنصوص التعبئة العامة، ويكاد رأسماله لا يساوي الحبر الذي كتب فيه.
قضية التهريب فضيحة الفضائح. وليت رئيس الجمهورية سمع اعتراف حسان دياب باستنزافها الخزينة لتتكاتف السلطة وتأمر الجيش صراحةً بإقفال المعابر بطريقة جدية. والطريق معروف. يكفي التفاهم مع الحليف الاستراتيجي، اي “حزب الله”، ليتوقف هدرٌ يساهم يومياً في إفقار اللبنانيين.
قطع السيد حسن نصرالله الشك باليقين. لا إقفال للمعابر الا اذا تم التطبيع مع النظام السوري، معلناً ان طريق دمشق مدخل لخروجنا من الانهيار الاقتصادي. هو كلام سجالي سياسي كون امين عام “حزب الله” أذكى من ان يقتنع بجدوى ربط بلدنا بمحور المفلسين، لكن حساباته الاقليمية تتجاوز دوماً موجبات المصلحة اللبنانية بالتأكيد.
رئيس الجمهورية أقسم على الدستور، وواجبه حماية الأرض والشعب. وليست قضية المعابر أقل من هكذا التزام، ففيها حياة او موت اللبنانيين. وليس من لبناني يقبل أن يتخلى الرئيس عن هذا الواجب. فمقتضيات التحالف السياسي والاقليمي يجب ان تتوقف عند المصلحة الوطنية العليا. وإلا ما معنى ان ينفرد رئيس الجمهورية ويتميز عن سائر المواطنين والمسؤولين بذاك القسم؟ وما معنى ان يكون رئيس الجمهورية زعيماً لأكبر كتلة نيابية والأقوى في طائفته؟
فخامة الرئيس استخدم لهجة آمرة. فليكن. اللبنانيون مهما عارضوه في السياسة لن يقبلوا بأن تصير صلاحيات الرئاسة وفعاليتها رمزية في الأمور المصيرية. وغير مناسب ان يذكِّر عدم اتخاذ هذا القرار السيادي بقول الامام علي “لا رأي لمن لا يطاع”.
لن يستطيع “المجلس الأعلى للدفاع” ولا أي طرف آخر وضع نقطة على السطر في موضوع المعابر، لا بالكلام الملتبس ولا بالتهديد والوعيد. والكرة في ملعب رئيس الجمهورية ليستعيد ما أحبه كثيرون يوماً في شخصيته، وهو التمرّد على الأمر الواقع. وخلاف ذلك، كان أجدى لو دعا فخامته الى “صلاة المعابر” بالتزامن مع “صلاة الكورونا”، عسى الله أن يحيي ضمائر المُستكبرين.