حتى الآن، لم يتوافَر مخرج «طوارئ» لأزمة المرسوم 6433 (الصادر عام 2011 والمتعلق بترسيم الحدود البحرية اللبنانية)، المطلوب تعديله بإضافة مساحة 1430 كيلومتراً مربعاً إضافية إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة على الحدود مع «فلسطين المُحتلة»، قبلَ إرسالِه إلى الأمم المتحدة. كل ما هو مطلوب هو توقيع رئيسيْ الجمهورية والحكومة، لتحويل هذه المساحة إلى منطقة متنازع عليها، بما يمنَع شركة التنقيب اليونانية «إنرجين» من البدء بعملها بعد نحو شهرين في حقل «كاريش» الذي يدخل شطره الشمالي ضمن المساحة التي يُطالب الجيش بإضافتها إلى المنطقة اللبنانية. ومن شأن بدء التنقيب في «كاريش» العبث بحقل غاز لبناني محتمل في البلوك الرقم 9 يمتد الى ما بعد الخط 23 وإلى البلوك 72 الذي ينوي العدو الإسرائيلي السطو عليه، وهو أكبر من حقل «كاريش».
هذه التهديدات الخطيرة لسيادة لبنان وثروته النفطية، لم تدفَع الحكومة إلى التعامُل معها كحالة استثنائية. فبعدَ أن حالَ الانقسام السياسي حول تصحيح الحدود (راجع «الأخبار»، الإثنين 22 آذار 2021) دون بتّ أمر التعديل، تتهرّب الحكومة بشخص رئيسها من هذه المسؤولية التي تحتاج إلى جرأة لاعتماد الخط الرقم 29 الذي وضعه الجيش وفقاً لخرائط ودراسات، والأهم حسم مسألة إذا ما كانت هذه المساحة الإضافية هي لتثبيت الحق لا التفاوض ثم التنازل عن جزء منها، وإلا فسيخسر لبنان أمام «إسرائيل» هذه الحرب.
ما يُجمّد الملف حالياً، فضلاً عن الانقسام السياسي هو أزمة التواقيع. فبعد أن أرسلَت وزيرة الدفاع زينة عكر اقتراح المرسوم الذي أعدّته قيادة الجيش إلى رئاسة الحكومة من دون التوقيع عليه، ردّت الأمانة العامة لرئاسة الوزراء قبلَ أسبوع بكتاب أعادت فيه الملف إلى وزارة الدفاع. وفي هذا الكتاب الذي اطلعت «الأخبار» عليه، طلبت الأمانة العامة استطلاع رأي كل من وزارات الطاقة والأشغال والخارجية، إضافة إلى المجلس الوطني للبحوث العلمية تمهيداً لإعطاء الموضوع مجراه القانوني!
ثمة ما هو غير مفهوم في كتاب الأمانة العامة المُرسَل إلى «الدفاع»، ولا يُستشف منه سوى تعمّد «تضييع للصلاحيات»، خاصة في ما يتعلّق بالوزارات المذكورة.
النائب كرامي تراجع عن التقدم باقتراح قانون لتعديل المرسوم
وزارة الدفاع ردّت مجدداً بكتاب أوضحت فيه أن «لا علاقة لوزارة الخارجية ولا وزارة الطاقة ولا المجلس الوطني بموضوع تعديل المرسوم، لأن هذا الأخير صدر بصورة محددة بقرار من مجلس الوزراء عام 2011 بناءً على اقتراح رئيس الحكومة ووزير الأشغال والنقل». ونظراً إلى ارتباط مشروع المرسوم التعديلي بقرار من مجلس الوزراء، وتبعاً لاستقالة الحكومة، «من الضروري أخذ توجيهات رئيس الحكومة للسير بهذا المشروع، خصوصاً أن القرار الذي يعود لمجلس الوزراء اتخاذه هو أحد بناءات المرسوم المذكور». كذلك فإن «توقيع وزيرة الدفاع لمشروع المرسوم التعديلي يرتبط بلوائح وإحداثيات أعدّتها قيادة الجيش، علماً بأن توصية هيئة التشريع والاستشارات التي أوصت بهذا التوقيع هي غير ملزمة لوزيرة الدفاع».
أنقر على الصورة لتكبيرها
غير أن النقطة الأهم والأبرز التي أغفلتها رئاسة الحكومة عن قصد أو غير قصد، هي أن ما يتطلب تواقيع الوزراء (غير وزير النقل) ليس المشروع التعديلي، بل مرسوم آخر. فبعد القيام بالمقتضى الإداري بشأن مشروع المرسوم بتعديل المرسوم 6433، فإنه يتعيّن إتباعه بتعديل المرسوم الرقم 2017/42 (تقسيم المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية للدولة اللبنانية إلى مناطق على شكل رقع) وهو ما يتطلب توقيع عدد من الجهات.
وبناءً على هذه الإيضاحات، تكثُر الأسئلة حول كيفية التعامل مع هذه القضية. لماذا الإصرار على توقيع وزيرة الدفاع قبلَ أي توقيع آخر؟ وهل في ذلك تهرّب من توقيع المرسوم؟ مصادر رئيس الحكومة تؤكد أن «الأخير سيوقّع المرسوم بعدَ توقيع الوزراء»، مشيرة إلى أن «الإصرار على توقيع عكر مردّه إلى أن قيادة الجيش هي من أعدّت اقتراح التعديل، وبالتالي يجب على وزارة الدفاع التوقيع. ففي عام 2011، وقّعه وزير الأشغال لأن الوزارة هي من أعدّت المرسوم الأول آنذاك»، بينما تعتبر مصادر معنية بالملف أن «ما يحصل ليسَ سوى تمييع للقضية، لأن لا شيء يمنع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب من عقد اجتماع مع الوزراء المعنيين ومناقشة الاقتراح وبتّه، والقول بضرورة توقيعه».
وتقدّم المصادر دليلاً إضافياً على هذا التهرب بالإشارة إلى «طلب دياب سابقاً من النائب فيصل كرامي التقدم باقتراح قانون معجل مكرر إلى مجلس النواب، بهدف تعديل المرسوم، وذلك من أجل أن يتحمل المجلس المسؤولية بدلاً من الحكومة». وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن كرامي عادَ وتراجع عن التقدم بالاقتراح. فمن الناحيتين السياسية والقانونية، لا يوجد أي مسوّغ لنقل الكرة من ملعب مجلس الوزراء إلى ملعب مجلس النواب.