Site icon IMLebanon

حدود الغضب..

مبالغة فلاديمير بوتين في استغلال حادث اسقاط طائرة «السوخوي» تكاد ان تتخطى حدود المنطق وتؤدي الى نتائج عكسية، خصوصاً في حسبة المصالح العزيزة والغالية على قلبه.

تركيا قاربت الاعتذار لكنها لم تعتذر. قالت على لسان رئيسها رجب طيب اردوغان ما يشبه التأسّي والأسف من نوع «لو كنت أعلم». لكن ذلك لم يعنِ انها ستتردد في حماية مصالحها والدفاع عنها أو في الهرب من أي امتحان قد يحاول بوتين فرضه عليها.. كأن يرسل «السوخوي» من جديد لاختراق الأجواء التركية بطريقة استفزازية وفي ظل الاستنفار القائم حالياً(؟).

وساكن الكرملين يعرف ماذا تعني هذه التوليفة الديبلوماسية. ويعرف تماماً ان أنقرة في غنى عن مشكلة كبيرة مع جارتها الصاحية بعد نوم مديد. لكنه يعرف أكثر ان الاعتذار الذي يطلبه وبالطريقة التي يطلبها، لا يتوقف عند حدود المعنويات والكلام النظري، وانما يعني شيئاً مستحيلاً هو إقرار الجانب التركي بأنه كان على خطأ! وانه سيرضى باختراق سيادته، ويسكت! مثلما سيرضى لاحقاً باختراق مصالحه وسياساته، ويسكت! مثلما سيقبل على مضض الأجندة التي يتحرك على وقعها الروس في سوريا، ويسكت!

استنفد بوتين وبسرعة سلّة ردود الفعل على اسقاط «السوخوي». ووصل بيديه الى السقف! «تفهَّم» الاوروبيون والاميركيون والاتراك (بطبيعة الحال) غضبه الفوري وامتصوا بهدوء قراراته الغاضبة. لكن كان واضحاً ولا يزال واضحاً، وازداد وضوحاً في اليومين الماضيين، من بروكسيل الى باريس، ان الحادث الذي وقع عرضي اذا أراد ساكن الكرملين اعتباره كذلك! وكبير اذا اراد ساكن الكرملين اعتباره كذلك! وأولى تلك الاشارات الواضحة في ذلك السياق، إعلان «الناتو« وقوفه مع الجانب التركي. ثم إقرار واشنطن بصحّة البيانات التركية عن حركة الطائرة التي أُسقطت.. ثم بعد ذلك، (في السياسة) إبلاغ باراك أوباما «نظيره» بوتين بأن الحل في سوريا يجب ان يتم من دون الاسد!

وبوتين يعرف ان كل الآخرين يعرفون، انه ليس في موقع القادر على فرض «شروطه» في سوريا: «عاصفة السوخوي» هبّت في فنجان! ولم تغيّر وقائع الارض! و»عاصفة الغضب» على سقوط «السوخوي»، آن لها ان تنتهي طالما انها لم تؤدِ ولن تؤدي لا الى استفراد انقرة، ولا الى تغيير أجندة الطرف الذي تقف في صفه، إزاء النكبة السورية وشروط الحل.. ما أدّت اليه فقط، هو زيادة عدد الضحايا السوريين نتيجة قصفهم بطريقة همجية وإجرامية ولا تمت لأي اخلاق بأي صلة!

حاول سيد الكرملين مجدداً أن يأكل رؤوس الآخرين بالضجيج لكنه فشل وسيفشل.. في المرة الاولى جاء تحت سقف محاربة الارهاب الداعشي وحاول (ولا يزال) تعديل موازين القوى على الأرض بما يسمح بتعديل المواقف من الاسد ومصيره، ثم فتح باب المقايضة مع العقوبات التي طالته بعد ضم القرم والتحرش بأوكرانيا، لكن ذلك أدى الى نتائج عكسية ميدانياً وسياسياً. من «التاو» الى غير «التاو»(!) ومن «فيينا» الى (قمة المناخ) باريس. وجاء في المرة الثانية تحت سقف «الغضب» من إسقاط طائرته ليحاول الوصول الى غاياته بطريقة ملتوية.. أو بالأحرى محاولة الاستفراد بمجريات النكبة السورية من خلال ضرب المعابر المفتوحة مع تركيا، والقضاء على فكرة المنطقة الآمنة!

وتلك مناورة كبيرة بأدوات وسياسات صغيرة، حتى لو كانت هذه الادوات من طراز «اس 400»: حدود تركيا هي حدود «الناتو»، ودورها في سوريا ليس احادياً ولا هو لقمة سائغة.. ومستقبل هذه الدولة المنكوبة لا تحدّده «السوخوي» ولا أمنيات أصحابها ولا ضجيجهم وصخبهم و»غضبهم»! والتشبيح الاعلامي لا يعني شيئاً على مسرح العمليات وحركة الميدان… قبل موسكو جرّبت طهران وفشلت! وقبل طهران وكل عدّتها الميليشيوية والمالية والتذخيرية والتعبوية (الدينية)، جرّب بشار الاسد كل شيء (وحرفياً كل شيء) ولم ينجح سوى في تدمير سوريا ومؤسساتها وعمرانها.

سقطت «عاصفة السوخوي». وآن الأوان لأن تسقط «عاصفة الغضب» من سقوط «السوخوي»! وأن يقتنع بوتين بأن مناوراته البلطجية لم تعد تحتملها حتى إيران!