من جديد: إما ان بوتين ينفّذ «الجانب الوسخ» من تفاهم طويل عريض مع الأميركيين والغربيين في شأن الوضع السوري، وإما انه يغامر ويقامر ولا يعرف اليوم ماذا سيجري غداً! وكيف ستكون ردة الفعل على استهدافه قوى معارضة سبقته لمحاربة الارهاب الداعشي ودفعت أغلى الأثمان للمحافظة على وجودها وعلى استمرار السير نحو انهاء ما تبقى من بقايا السلطة الأسدية!
والواقع ان «الحسم» في الأخذ بفرضية من الاثنتين لا يزال صعباً، على الرغم من ذهاب معظم المعارضة السورية الى اعتبار التدخل الروسي عدواناً احتلالياً والشروع في الدعوة الى مقاومته على ذلك الأساس.
فرضية التفاهم المسبق مع الأميركيين واردة، وخصوصاً مع ادارة أوباما وفي ظل سياستها المعروفة والمعلوكة! لكن على الرغم من ذلك، فإن الأيام الأولى من الغارات الروسية تدلّ على شطط غير مفهوم: يمكن واشنطن، على ما قال كبارها أن ترحب بالمشاركة البوتينية في ضرب «داعش» وتترك الخلاف على دور الأسد الى مرحلة لاحقة.. لكنها، منطقياً (وربما غصباً عنها)، لا يمكنها أن ترضى باستهداف الفصائل التي تقاتل الأسد و«داعش» معاً!
.. وحتى لو أغمضت عينيها عن ذلك وادّعت إصابتها بالحَوَل، فإن حلفاءها الإقليميين والدوليين لا يمكنهم التغاضي أو السكوت عمّا يحصل. وهو ما جرى فعلياً، في السياسة والإعلام، بانتظار ترجمة ذلك في الميدان؟!
ويفترض تبعاً لذلك، أن يتوضح الموقف في غضون الأيام الآتية: إما أن تعيد قوات بوتين الجوية رسم إحداثيات عملياتها الحربية، وإما أن تبادر القوى المعنية، في المنطقة وخارجها إلى ملاقاة الجحش الروسي في منتصف الطريق! وليس ضرورياً أن يتم ذلك مباشرة! وأن تندلع بالتالي معركة جوية عالمية في سماء سوريا! وإنما بتوجيه ضربة على نافوخ الأسد وحلفائه في الجنوب مثلاً! وبشكل يعيد رسم الحدود والخطوط ويمنع الاستطرادات غير المأنوسة في الأجندة الروسية والأسدية والممانعة في الاجمال.
وما أظهرته الأيام الماضية، هو أن الحركة الروسية حاولت من أول الطريق أن تفاجئ كل أعداء الأسد. وأن تنتج واقعاً مغايراً لمنطق الأمور. وأن تسرّب مواقف تخلط بين مواجهة الإرهاب الداعشي وإعادة تعويم السلطة الساقطة.. وتصرفت في ذلك على طريقة الزعران الذين يحاولون بالبلطجة والاحتيال، «أكل رأس» الآخرين الأوادم والتعدي على حقوقهم و«أملاكهم»!
لذلك كان مهماً أن تصدر الرياض وأنقرة وباريس مواقف واضحة ضد الشطط الروسي. وأن تؤكد فصائل المعارضة المسلحة رفضها الحاسم لذلك الشطط، وأن تعيد بالتالي النصاب الى الميزان قبل استفحال الخلل بين كفّتيه.. وأن تنتقل لاحقاً (وسريعاً) الى ما يقرن القول بالفعل.
لن يتمكن البلطجي الروسي، بواسطة ثلاثين أو أربعين أو خمسين طائرة حربية، من إعادة الحياة الى الجثة السياسية للسلطة الأسدية، أو أن يدمّر ما عجزت تلك السلطة مع حلفائها وكل إجرامها، عن تدميره على مدى أربع سنوات ونصف السنة… وحتى لو بقيت واشنطن في مكانها الملتبس!
سوريا ليست القرم ولا الشيشان. ومهم جداً أن «يفهم» بوتين ذلك بأي طريقة ممكنة.