IMLebanon

حدود الحوار بالنار بين حزب الله وإسرائيل

 

هل تحددت أخيرا «قواعد الاشتباك» و»حدود الحوار بالنار» بين حزب الله وإسرائيل، في أعقاب غارة القنيطرة، ورد الحزب عليها في مزارع شبعا؟ حيث اتضحت وتتضح التخوم بين الردود التكتيكية، وتلك التي يعول عليها أن تكون إستراتيجية، ففي خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يوم الجمعة الثلاثين من كانون الثاني (يناير) الماضي، أعلن عن اسقاط قواعد الاشتباك مع اسرائيل، وقبلها بيومين كانت انتهت جلسة تقييم الوضع، التي شارك فيها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن موشي يعالون، ورئيس أركان الجيش بني غنتس، ورئيس الشاباك يورام كوهين، مساء الأربعاء، بقرار فحواه الحفاظ على حالة التأهب، وفي الوقت نفسه عدم تصعيد الأوضاع في الشمال، وتحميل إيران المسؤولية عن الهجوم. 

فهل كانت الردود الأولية تلك العسكرية والسياسية، هي حدود الاشتباك الجديدة، الحدود التي توقف عندها التصعيد المتبادل من قبل الجانبين، مع الاعلان عن أن أي ردود، لا ينبغي لها أن تؤدي إلى الحرب أو انفجار شامل في المنطقة. بينما اضطر نتانياهو للتعقيب من خلال «جهات» في حزبه (الليكود)، على اتهام وزير خارجيته ورئيس حزب «يسرائيل بيتينو»، أفيغدور ليبرمان، له بالاستسلام لحزب الله. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن تلك الـ «الجهات» في حزب الليكود، قولها إن «رئيس الحكومة نتانياهو يدير الأحداث الأمنية سوية مع وزير الأمن ورئيس أركان الجيش بحزم، ومسؤولية ومن خلال ترجيح الرأي، ولا يتأثر باقتراحات عديمة المسؤولية ومنفلتة، من جهات عديدة وغريبة«.

إعلاميا اعتبر ألون بن دافيد، في موقع القناة التلفزيونية العاشرة، أن كلا الطرفين، إسرائيل وحزب الله، غير معنيين بتدهور الأوضاع إلى حرب شاملة، وبالتالي فإن حزب الله بحث عن رد على هجوم القنيطرة، يمكن لإسرائيل احتواؤه، في حين تنوي إسرائيل الرد من دون الانجرار إلى حرب شاملة، قبل الانتخابات بشهر ونصف.

وكتب المحلل العسكري للقناة الإسرائيلية الثانية، روني دانيئيل، في موقع القناة أن العملية لم تكن مفاجئة سوى في توقيتها، وأن تصعيد الأوضاع على الحدود الشمالية في المناطق الممتدة ما بين هضبة الجولان والحدود اللبنانية كانت متوقعة. على أن التصعيد في هذه المنطقة لم يحصل نتيجة استهداف القافلة في القنيطرة السورية قبل أسبوع، وإنما حدث قبل شهور طويلة، بعد أن استكملت إيران وسوريا وحزب الله منظومة لبناء قدرات عسكرية لتنظيمات شبيهة بحزب الله في الجولان، بهدف فتح جبهة ثانية ضد إسرائيل.

تماثل معضلات الطرفين

أما عن طبيعة الرد الإسرائيلي المتوقع، فكتب دانيئيل أن المعضلة الإسرائيلية تبدو على هذا النحو: من جهة لا يوجد رغبة إسرائيلية حقيقية على الرغم من الأجواء الانتخابية في التصعيد إلى مستوى اشتباك شامل أو تبادل ضربات، حسب تعبيره. كذلك الحال لدى حزب الله، فيبدو أنه غير معني بفتح جبهة مع الجيش الإسرائيلي. لذلك، فإن الطرفين يحتسبان جدوى الرد. والمعضلة لدى الطرفين شبيهة نوعا ما، وهي كيفية الرد من دون إشعال المنطقة.

من جانبه قال المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل، إن رد إسرائيل على الهجوم، يشير إلى أنها تعتزم استيعاب الضربة واحتواء الموقف، كما أن خطوات حزب الله تدل على أنه معني بإنهاء هذه الجولة. وبالنتيجة.. فإن الهدوء الذي استمر 40 عاما في الجولان، منذ حرب العام 1973، والهدوء الذي ساد الحدود مع لبنان بعد الحرب عام 2006، لن يعود. وبات من الجائز الافتراض بأن الجولات القتالية سوف تستمر، على شكل ضربات وردود متبادلة، يتبعها جهود دولية لمنع اندلاع حرب شاملة.

وبحسب هرئيل، فإن التوازن الحالي يميل لصالح إسرائيل، حيث أن إسرائيل وجهت ضربة إستراتيجية للقيادة الجديدة لـ«الشبكة الإرهابية» في الجولان، مقابل ضربة تكتيكية تعرضت لها قافلة عسكرية إسرائيلية.

حوار عنيف

وفي الصحيفة ذاتها، كتب تسفي برئيل أن تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله هو نوع من الحوار العنيف المحدود. وتساءل عما إذا كانت عملية مزارع شبعا هي الرد الذي قصده حزب الله عندما حذر إسرائيل، أم هو الرد الإيراني على اغتيال الجنرال بعد أن تعهدت إيران برد عنيف، ويخلص إلى أن تبادل إطلاق النار الذي حصل هو نوع من «الحوار العنيف» بحيث يوضح كل طرف حدود الحوار.

وبحسبه فإن تقديرات إيران تشير إلى أن إسرائيل تسعى لشطب «الاحتكار السوري الإيراني» لإستراتيجية إدارة الحرب في داخل سورية، وذلك استنادا إلى غياب الرد الإسرائيلي على سيطرة المعارضين، وبضمنهم التنظيمات الإسلامية الراديكالية على غالبية الجولان السوري، ولكنها، أي إسرائيل، سارعت إلى الرد عندما حاول حزب الله توسيع نطاق سيطرته في الجولان، ما يعني بالنسبة لسورية وإيران تدخلا في الشؤون الداخلية، يوفر غطاء إسرائيليا للمعارضين.

كذلك فإن «معضلة الرد» على الهجوم الإسرائيلي على القنيطرة، قد تم حلها بشكل مخطط له ومحسوب. في وقت بدا ويبدو أن المخاوف الإيرانية السورية كانت نابعة من الخشية من فتح جبهة واسعة في الجولان، بما قد يدفع إسرائيل إلى الرد مباشرة ضد النظام السوري وجيشه، وتتعزز بذلك قوة المعارضة، وذلك لأن تفضيل إسرائيل إلقاء المسؤولية على الأنظمة الرسمية، مثل الحكومة اللبنانية التي ليست مسؤولة عن شيء، والنظام السوري الذي لا يسيطر على المنطقة، من شأنه أن يضع قصر الرئيس السوري في بنك الأهداف الإسرائيلية.

كما يكتب برئيل أن الطرفين ينطلقان من فرضية أنه لا مصلحة لأي طرف في فتح جبهات ملتهبة في الجولان أو في لبنان، مشيرا إلى أنه «إذا كانت إسرائيل تخشى في بداية الثورة السورية من قيام حزب الله بفتح جبهة مع إسرائيل لتحويل الأنظار عن المجزرة التي ينفذها الجيش السوري بحق المدنيين، فإن هذه الاعتبارات لم تعد قائمة اليوم».

ويتابع أن النظام السوري تحول إلى عامل ثانوي في عمليات اتخاذ القرارات العسكرية في الأراضي السورية، وأنه على خلفية الجهود الدبلوماسية الروسية للتوصل إلى حل سياسي، فإن إيران تطمح إلى الحفاظ على نفوذها، وأن سورية ولبنان بالنسبة لها هي رزمة واحدة، لا يمكن التنازل عن أحدها مقابل الثانية.

ويخلص الكاتب إلى أنه بالنسبة لإيران فإن تبادل إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل هو حدث ثانوي، وربما هامشي، ويجب احتواؤه ضمن الظروف القائمة، حتى لا يعرقل الطموحات الإستراتيجية لإيران. وضمن هذه الاعتبارات فإنه على إيران أن تضمن ألا تسمح إسرائيل لنفسها بضرب أهداف مهمة لإيران وحزب الله، وأنه هناك تكمن الخطورة في عدم قراءة إسرائيل بشكل صحيح خارطة المصالح الإيرانية، وبالتالي فإن أحداثا ثانوية مثل مقتل مسؤولين، أو إطلاق نيران عفوية، قد يدهور الأطراف إلى وضع لا يرغب أحد بالوصول إليه.

لقد ذهبت بعض الأوساط الإعلامية والحكومية الإسرائيلية، إلى حد الدعوة للرد بقوة، من أجل منع الحرب، وها هو الرد أو نصفه على الأقل قد حصل، في ظرف دقيق جدا، فهل تؤدي الردود القادمة إلى الوقوع في أسر الحرب، إن لم تكن الشاملة، فالمحدودة على الأقل، من قبيل حرب لبنان الثانية أو الحرب على غزة، وإن بدا ويبدو أن هذا مستبعد الآن، فإلى حين انقضاء معركة الانتخابات في منتصف آذار(مارس) المقبل؛ وبعدها لكل حادث حديث.