IMLebanon

“إتفاق الإطار” كما “17 أيار”: وُلِدَ ميتاً

 

لم يجد أركان السلطة الثلاثة مخرجاً للهروب من مطلب الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الإذعان للإرادة الإسرائيلية في ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، سوى العودة الى ما سُمِّي «إتفاق الإطار».

 

وقبل الإنتقال الى البحث في بعض بنود هذا الاتفاق التي تُسقِط السيادة وتكرس التطبيع، لا بد من التوقف عند الخلاصة الخطيرة الناجمة عن أداء مكونات السلطة بمواقعها كافة، منذ المماطلة المقصودة بإصدار مرسوم جديد لتعديل المرسوم المعروف بالرقم 6433 وما تضمنه من حيثيات وإحداثيات، مروراً بالتهرب من إبلاغ الأمم المتحدة من خلال رسالة رئاسية مضامين الإحداثيات الجديدة، وصولاً الى التلطي خلف ما يسمى الوساطة الأميركية بذريعة عدم إمكانية إتخاذ قرارات حاسمة في ظل التفاوض المفترض. والخلاصة هي: تَعَمّد أركان السلطة اللبنانية التنازل المعلن عن حقوق لبنان في ثرواته المائية والنفطية والغازية، وذلك من خلال تأكيدهم مباشرة أو مواربة على أن خط التفاوض الذي تتبناه الدولة اللبنانية هو الـ23، وبالتالي منح العدو حرية التنقيب والإنتاج في كامل المساحة الممتدة بين الخطين 23 و29 بما في ذلك حقل «كاريش»، أي ما مجموعه 1430 كلم². وبسبب ذلك إنتقل العدو الإسرائيلي من خلال «الوسيط» الأميركي الى المساومة على البلوك رقم 8 الى حدود خط هوف، مما يعني حصوله على 300 كلم² إضافية، أي أن المساحة التي سيكون قد إحتلها العدو في بحرنا تصل الى 1730 كلم²، كما حسم وبشكل نهائي مسألة تمسكه بجزءٍ من حقل «قانا» الممتد خارج الخط 23. (أنظر الخريطة المرفقة التي تبين تفاصيل عرض هوكشتاين).

 

هل يمكن لأي لبناني وطني مخلص أن يجد تبريراً مقنعاً لهذا التنازل الموصوف!

 

في العام 1983، حاول العهد الرئاسي الذي كان قائماً آنذاك أن يبرر لنفسه وللبنانيين قبوله بإجراء مفاوضات مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي الذي كان يسيطر على معظم الأراضي اللبنانية. وعلى الرغم من ذلك، لم يسلك إتفاق 17 أيار الذي نتج عن تلك المفاوضات طريقه للتنفيذ، بإعتبار أنه منح العدو الإسرائيلي ترتيبات أمنية تفوق قدرة لبنان على إحتمالها، مما دفع ببعض القوى الوطنية اللبنانية مدعومة من سوريا الى إسقاط هذا الاتفاق وإعتباره ميتاً قبل أن يولد.

 

في العام 2022 وبعدما باتت ما يسمى المعادلة الماسية أو الذهبية وما الى ذلك من تسميات رنانة.. شعاراً واضحاً أو مموّهاً بتعابير إحتيالية للحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ العام 2005، وبعدما بلغت قدرات المقاومة مستوىً نوعياً متقدّماً ومقلقاً للعدو، وبعدما ترسّخت عقيدة الجيش اللبناني القتالية العدائية ضدّ الكيان الإسرائيلي، والأهم بعدما أجمع اللبنانيون كافة على العداء لهذا الكيان وعلى تمسكهم بسيادتهم على أرضهم ومائهم وثرواتهم، بعد ذلك كله نجد أن هذه السلطة بمكوناتها كافة تعبّر عن خنوع غير مسبوق أمام الأميركي ومن خلفه الإسرائيلي. السؤال المُحَيِّر: كيف يمكن لسلطة من المفترض أنها حليفة لحزب المقاومة، بل أن رافعتها الأساسية وسبب بقائها في السلطة هو قوة هذا الحزب الشعبية والسياسية، وكيف يمكن لسلطة أنتجها حزب المقاومة في ظل موازين قوى مُرجِّحة لصالحه في مواجهة الحليفين الأميركي والإسرائيلي، كيف يمكن لسلطة كهذه أن تتجرأ على التنازل علناً عن ثروات لبنان وأن تُرسِّمَ حدوداً بحرية مع عدو من دون قواعد قانونية مُثبَتة ولا تقنية صحيحة؟ وكيف يمكن لحزبٍ كان يتصدّر المقاومة في تحرير الأراضي اللبنانية بالقوة، وكيف يمكن لحزبٍ صدّ عدوان تموز وسجل إنتصاراً وطنياً وإلهياً على إسرائيل، كيف يمكن لهذا الحزب أن يبقى سائراً خلف هذه السلطة في مقاربته لهذا الملف الوجودي الوطني السيادي؟

 

المتابعون لهذا الملف يريدون أن يصدقوا أن خوف بعض أهل السلطة من العقوبات الأميركية، ورغبة البعض الآخر برفعها عنه، وسعي البعض الثالث لكسب رضا الأميركي تجنباً لها، هي الأسباب التي تقف خلف إنصياعهم للسيد الأميركي. لأن خلاف ذلك يعني أن السلطة السياسية ترتكب جرماً جزائياً وطنياً وصفه الكثيرون بأنه فعل خيانة، خاصة وأنه سيترك آثاراً حاضرية على اللبنانيين وتبعات مستقبلية على الأجيال التي لم تولد بعد.