IMLebanon

لماذا لا تُبلّغ الحكومة اللبنانيّة هوكشتاين ردّاً واضحاً على عرضه بدلاً من «تجاهله»؟!

العدو الإسرائيلي يستفيد من الوقت الضائع… ولبنان يُضيّع عليه فرصة استثمار ثروته

 

يبدو واضحاً أنّ ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي بوساطة أميركية قد خفّ وهجه تدريجاً مع دخول البلاد في خضمّ المعارك الإنتخابية، لا سيما بعد تشكيل اللوائح وإعلانها من قبل الأحزاب والقوى السياسية و «مجموعات الثورة» والمجتمع المدني، قبل شهر من يوم الإستحقاق المرتقب في 15 أيّار المقبل. ولعلّ السبب الآخر لتراجع هذا الملف، هو «تجاهل» الدولة اللبنانية الردّ بشكل مباشر على العرض الأخير الذي قدّمه الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين، في محاولة منها لكسب الوقت. علماً بأنّ هوكشتاين كان متأكّداً من أنّ لبنان لن يقبل بطرحه كونه يضرب كلّ ما جرى الإتفاق عليه على طاولة الناقورة منذ بداية التفاوض في 14 تشرين الأول من العام 2020، كما الوعود التي أغدقها على المسؤولين اللبنانيين خلال الجولتين المكوكيتين اللتين قاما بهما الى لبنان والعدو الإسرائيلي منذ بدء مهمة الوساطة، موحياً بأنّ «الإتفاق النهائي بات وشيكاً بين الجانبين».

 

وحذّرت أوساط ديبلوماسية مطّلعة من تداعيات الموقف اليتيم الذي اتخذه لبنان بعد الإجتماع «الرئاسي» الذي عُقد في قصر بعبدا منذ شهر تقريباً، والذي تُرجم في بيان صدر بعده، وجاء فيه أنّ المجتمعين قرّروا «دعوة الولايات المتحدة الأميركية الى الإستمرار في جهودها لاستكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية، وفقاً لاتفاق الإطار بما يحفظ مصلحة لبنان العليا والإستقرار في المنطقة». فهذا الموقف وإن كان لم يُبلّغ شخصياً الى الوسيط الأميركي، بل من المؤكّد أنّه وصله ضمناً عن طريق السفيرة الأميركية دوروثي شيا المعتمدة في لبنان، والتي «نابت» عنه في إرسال العرض الأميركي «خطيّاً» لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لم يُقدّم إجابة حاسمة للقبول بالعرض الأميركي أو رفضه، ما يجعله لا يصبّ في مصلحة لبنان، خلافاً لما يعتقد البعض.

 

وتقول الاوساط بأنّ موقف لبنان الذي تجاهل عرض هوكشتاين الأخير، لا يجعل الأمور تتوقّف هنا… فـ «الإسرائيلي» الذي أدخلنا في لعبة إضاعة الوقت، يفعل عكس ذلك، ويستفيد من هذا الوقت الضائع، فسفن القطر انطلقت من مياهه الى سنغافورة لشحن السفينة التي ستقوم بعملية استخراج الغاز من «حقل كاريش»، وستعود قريباً. أمّا الحكومة اللبنانية، وإن كانت منهمكة في التحضير للإنتخابات النيابية المقبلة، فيمكنها الردّ بشكل مباشر على هوكشتاين، إمّا برفض العرض، وهذا ما لا تستطيع فعله، خشية خسارة الوساطة الأميركية والإبقاء على المنطقة بين الخطين 1 و 23 «متنازع عليها»، وعدم تمكّن لبنان من استثمار ثرواته النفطية والغازية في المنطقة البحرية بكاملها بفعل الضغوطات.

 

كما يُمكن للحكومة أن تُطالب هوكشتاين بتعديل العرض، على ما أضافت الاوساط، على أن يحتفظ لبنان بكامل حقوقه ضمن الخط 23. ولكن قد يكون هذا الأمر هو ما ينتظره الوسيط الأميركي، أي اعتراف لبنان بالخط 23 كحدود بحرية له، عندها يصبح بين يديّ هوكشتاين مستنداً خطيّاً من شأنه إسقاط الرسالة التي أرسلتها الحكومة اللبنانية الى الأمم المتحدة في 28 كانون الثاني الفائت، وإسقاط بالتالي كلّ ما طالب به الوفد المُفاوض على طاولة الناقورة، وكلّ ما يتمسّك به الخبراء والقانونيين، حتى اللجنة التقنية التي درست العرض الأميركي وناقشته مع الرؤساء الثلاثة في قصر بعبدا، والتي تؤكّد أنّ حدود لبنان هو الخط 29.

 

وأوضحت الاوساط أنّ هذه اللجنة التقنية التي تألفت من ممثلين من رئاستي الجمهورية والحكومة وقيادة الجيش (مصلحة الهيدروغرافيا) وهيئة إدارة قطاع البترول، أكّدت على أنّ الخط 29 هو الذي يحفظ حقوقه وسيادته الكاملة على حدوده البحرية، على ما فاوض الوفد اللبناني العسكري على طاولة الناقورة.

 

ولهذا تجد الأوساط نفسها أنّه إذا بقي موقف لبنان مبهماً أو غير واضح، فهذا الأمر لا يجعله يكسب الوقت لصالحه، بل على العكس يُعطي «الإسرائيلي» الوقت الكافي للقيام بكلّ ما يريد استكماله في «حقل كاريش» من استخراج للثروة النفطية وبيعها. أمّا الردّ الأمثل، فليس الرفض ولا طلب التعديل، ولا حتى «التجاهل»، على ما فعل المسؤولون اللبنانيون في البيان الذي صدر عنهم في آذار الماضي، بل شرح موقف لبنان الفعلي بكلّ صراحة ووضوح.

 

وبناء عليه، يُمكن للحكومة اللبنانية أن تقول صراحة للوسيط هوكشتاين، على ما شدّدت الاوساط، إنّ عرضه مهين وغير مقبول لبنانياً، سيما وأنّه يعلم مسبقاً بأنّ لبنان لن يقبل به. كما أنّ لبنان يتمسّك بالخط 29 كحدّ أقصى للتفاوض غير المباشر وفقاً لطروحات الوفد اللبناني العسكري على طاولة المفاوضات، ويؤكّد على الرسالة التي أرسلها الى الأمم المتحدة في كانون الثاني الفائت والموجودة على موقع «البحار والمحيطات» في الأمم المتحدة.

 

ورأت الاوساط أنّه هكذا يكون لبنان قد أعاد الطابة الى ملعبه، وأجبر بالتالي الأميركي والإسرائيلي على إعادة التفتيش عن حلّ يستطيع أن يعتبره لبنان حلّاً عادلاً ومنصفاً.

 

أمّا الخط المتعرّج الذي عرضه هوكشتاين ورسمه على خريطته، بحسب رأي الاوساط، فلم يكن عرضاً جديّاً، بل على العكس، إذ لم يتمّ طرح مثيلاً له في أي حالة نزاع حدودي في العالم. وأشارت الأوساط عينها الى أنّه ينتج عنه ثلاثة مشاكل مهمّة هي:

 

1- يغيّر الحدود البريّة مع الإنطلاق من الخط 23 الذي لا يعترف بنقطة رأس الناقورة. ويُسوّغ «الإسرائيلي» لنفسه تغيير الحدود البريّة، رغم أنّها مرسّمة معه بناء على اتفاقية بوليه-نيوكومب، و»اتفاقية الهدنة» التي عاد لبنان وأكّد عليها في كانون الأول من العام 1949.

 

2- لم يعط «خط هوكشتاين» لبنان «حقل قانا». وهذا يعني التطبيع ومفاوضة «الإسرائيليين» لسنوات مقبلة عدّة. فحقل أفروديت بين قبرص والعدو الإسرائيلي يجري التفاوض حوله منذ 10 سنوات، وقد يتطلّب التفاوض على «حقل قانا» 20 أو 30 سنة، في الوقت الذي يُتابع فيه استغلال الثروة الغازية والنفطية.

 

3- مشكلة حصول «الإسرائيلي» على جزء من البلوك 8، ولو لم يكن متأكّداً من وجود الغاز والنفط في هذا الجزء لما كان يُصرّ على الحصول لديه.

 

وأكّدت الأوساط عينها، على أنّ الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي يهمّهما أن يردّ لبنان بسرعة على طرح هوكشتاين، ومن مصلحتهما أن يرفض الطرح، خصوصاً وأنّ هذا الرفض من شأنه تثبيت الخط 23 وجعل «الإسرائيلي» يستكمل عمله في «كاريش»… في الوقت الذي على لبنان التمسّك بالرسالة الخطية التي أرسلها الى الأمم المتحدة كونها تنّصّ أولاً على أنّ الحكومة هي التي اتخذت القرار، وتقوم ثانياً بالتذكير بالمفاوضات التي حصلت مع الوفد اللبناني، وشدّدت على الإلتزام بالخط 29 والتي لا تعترف بالتالي بـ «حقل كاريش» للعدو الإسرائيلي، بل تضعه ضمن «المنطقة المتنازع عليها». كذلك تُحّذر الرسالة شركات النفط الدولية من العمل في هذه المنطقة، وتطلب من الأمم المتحدة نشرها على «موقع البحار والمحيطات» ما جعلها تُصبح وثيقة دولية.