IMLebanon

حدود «السوخوي»..

يأخذ فلاديمير بوتين على القيادة التركية أنها توجهت الى «الناتو» للبحث في تداعيات إسقاط الطائرة الروسية «وكأننا نحن من قمنا بإسقاط طائرة تركية» على حدّ تعبيره الحرفي.

لكن هذا الاحيائي الجامح يتجاهل حقيقتين واضحتين. الأولى هي أن الطائرة الروسية كانت تشتغل في نطاق جغرافي سوري، معنية به تركيا أكثر من روسيا، (قبل واقعة خرقها الأجواء التركية).. بحيث أن تركيا هي التي تملك حدوداً مشتركة مع سوريا تمتد على مسافة 900 كيلومتر وأكثر بقليل. وهي التي تتلقف منذ سنوات تداعيات النكبة الجارية في جوارها، وتستقبل وتؤوي وتعين، على سبيل المثال وليس الحصر، مئات الألوف من النازحين، في حين أن روسيا بوتين لم تستقبل نازحاً سوريًّا واحداً.

والثانية التي يتجاهلها عامداً متعمداً الرئيس الروسي، هي أن الوقائع تثبت أشياء أخرى معاكسة لادعائه بمحاربة الارهاب.. وحادثة الأمس تحديداً تدل على ذلك. إذ إنها حرب فوق منطقة لا وجود فيها لأي «داعش». بل المعروف تماماً، انها خاضعة للفصائل التي يستهدفها «داعش» كما لم يستهدف غيرها على الاطلاق، عدا أن أكثرية أهلها من التركمان.

ومع ذلك، فإن الذي حصل لا يُتوقع له أن يفتح باباً للنار بين الروس والأتراك، مع انه رسم ما يمكن اعتباره، خطًّا عريضاً لتوزع مناطق النفوذ بين الطرفين، بانتظار إستكمال عدّة «التسوية» الموعودة. وبهذا المعنى وليس بغيره، يمكن افتراض شيء من قبيل ان أنقرة «ترد» على لقاء طهران بين خامنئي وبوتين ولكن ضمن هذه الحدود وليس فوقها. أي تحت سقف اللجم الاستباقي لأي إشكال كبير يمكن أن يسببه الجموح الروسي ويؤدي في النتيجة الى تعطيل «الجهود السلمية» ودفع الأمور الى نواحٍ تصادمية كبيرة لا يريدها أي طرف في واقع الأمر.

والتذكير واجب، بأن الحادثة تمت عشية انطلاق الحملة التركية لإنشاء المنطقة الآمنة في الشمال السوري. أو بالأحرى، في رقعة جغرافية تعتبرها أنقرة حيوية لأمنها إزاء التمدد الكردي من جهة، وتنفيذاً لما تعتبره ملاذاً يخفف عنها المزيد من أعباء النزوح من جهة ثانية.. كما جاءت بعد فشل اتصالات جرت في الآونة الأخيرة بين أنقرة وموسكو لوقف الغارات على جبل التركمان، من دون نتيجة ايجابية.. وبعد ذلك، جاءت في ظل استمرار الروس باعتماد أجندة ملتبسة ومحيّرة: يلتزمون السعي الى «تسوية» لا تستقيم من دون إزاحة بقايا السلطة الأسدية، لكنهم يتحركون عسكريًّا وفقاً لبنك الأهداف الذي وضعته تلك السلطة. وأخطر ما فيه، ليس فقط عدم التعرض لـ»داعش» بالشكل المطلوب والموازي للادعاءات بمحاربة الارهاب، وإنما اعتبار كل معارض «إرهابيًّا»!

.. وفي الاجمال، فإن ما جرى بالأمس يقدّم إضافة لا بدّ منها على واقعة أن «عاصفة السوخوي» لم تؤتِ أُكلها، وأن موسكو ذهبت بعيداً في التطاول على مصالح غيرها تحت حجة تأمين مصالحها.. وراهنت على أن الآخرين لن يجاروها في التصعيد وخسرت ذلك الرهان، برغم أن الجميع (تقريباً) يراهن في المقابل، على نجاحها هي في إنضاج متطلبات حل هذه النكبة الفظيعة!