IMLebanon

ملل من التذاكي والسبّابة

الملل ألم نفسي أدمنه اللبناني: ملل من فراغ رئاسة الجمهورية، ومن “رياضة” التكاذب الوطني، ومن دور “الولد القبضاي” في العائلة اللبنانية الذي يلعبه “حزب الله” اليوم، كما لعبته في الأمس أحزاب أخرى، ألبست، مثله، وجهها لطائفة بكاملها. ملل من بعض أهل السياسة، وهم يتحدثون عن الفساد، كحال القحباء مع العفة. وملل من قضم الدولة، و”تناتش” المؤسسات العامة، وملل من الإصبع المرفوعة في وجه اللبنانيين، وزعم الدفاع عنهم وحماية أرضهم، بينما تصب مكاسب الأمرين في حضن طهران التي تقامر بنا وباستقرارنا لتقدم أوراق اعتمادها إلى واشنطن.

في زمن مضى، كانت المنطقة تغلي بـ “أمنية” الوحدة، وتكتفي بالصراخ لتحقيقها. اليوم، في زمن السبابة العمياء، يتوافر التخطيط الإيراني والاداة اللبنانية، ومعهما اختلاف الأهداف: فبدل وحدة العرب وتقدمهم، حلت المذهبية في غلاف المقاومة والوحدة الإسلامية، وبينهما الوحدة الوطنية، وانطوت الخطب الرنانة على ازدراء الهوية العربية، وتسخيف المواطنية اللبنانية، لمصلحة زعم اجلال الأمة الإسلامية، علنا، وامبراطورية ولاية الفقيه الإيرانية ضمنا.

ليس في الأمر سر. فضعف الدولة في لبنان، واستمرار تقهقر العرب والعروبة، واستلاب جمهور البيئة الحاضنة، أعطت شجاعة الاستخفاف بهوية لبنان والمنطقة، وسمحت بإعلان الانتماء إلى الطموحات التوسعية الإيرانية، والخضوع لتوجيهات الولي الفقيه، من دون عودة إلى قانون أو منطق، إلى حد ان طهران نفسها لم تعد تتحمل تدوير الزوايا، كزعم السيد حسن أنه ومقاومته لا يخضعان لمصالح إيران وملفها النووي في أي موقف يخص لبنان. فقبل ان يبلع ريقه اعلن قائد “الحرس الثوري” الإيراني محمد علي الجعفري ان أمن اللبنانيين واستقرارهم يقررهما الحرس، وان الرد في مزارع شبعا كان رداً إيرانياً. يُشكر الجعفري، لأنه بوضوحه، خلّص اللبنانيين من بعض مللهم: تمنينهم ببطولات الحزب، خارج الحدود، وضدهم في الداخل، باسم الحرص على لبنان وتحرير فلسطين، بينما هو يراكم المردود الاقليمي لدم الشهداء والضحايا، في جيب إيران، وبين أوراق ملفها النووي، وطموحها إلى دور الوكيل الاقليمي لواشنطن، إلى جانب تل أبيب، لاضدها.

نعم. لا ضدها. لأن اميركا تقبل، ان قبلت اسرائيل، واسرائيل تقبل، ان قال خامنئي: ازالة اسرائيل CADUC، كما ياسر عرفات في باريس في ثمانينات القرن الفائت. الولي الإيراني ألمح إلى ذلك سابقا، بالقول انه لا يريد تدمير اسرائيل.

لم تكن مقاومة الاحتلال يوما إلا فصلا واجباً في مسيرة إيران إلى الزعامة منذ الثمانينات، وبدأتها بحرب عمياء، في لبنان، على الأجانب، وبتفجير السفارة الاميركية، لفتح باب المزاد الاقليمي أمامها على دماء اللبنانيين. هؤلاء ملوا تحويل دمار الداخل انتصارا على الخارج، وتصوير القتيلين الاسرائيليين 15، وتورية انتظار المزاد الاقليمي بادعاء الحكمة.

في انتظار اللحظة، ملل من التذاكي، ومن السبّابة.