IMLebanon

بوريس جونسون!

لا يشبه التصريح الذي قاله وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون عن ضرورة تنحّي بشار الأسد كشرط حتمي لإنهاء النكبة السورية، بوريس جونسون نفسه! لكنه يُعدّل منذ البدء، الانطباعات الخاطئة التي تولدت عن تعيينه في منصب لا يحتمل الهذر ولا المزح ولا الخفّة، بل هو الأكثر تعبيراً عن مدى جدّية أو رصانة بريطانيا العظمى في سياستها الخارجية.

لم يكن خافياً على أحد أن تعيين جونسون من قِبَل تيريزا ماي غداة تكليفها خلافة ديفيد كاميرون، سبّب صدمة في بريطانيا وخارجها على حد سواء، وصولاً إلى خروج صحيفتين رصينتين إحداهما «الغارديان» بعنوان يعتذر من العالم عن هذه السقطة غير المألوفة! ثم تلا ذلك تعداد لما «ارتكبه» الوزير الجديد خلال رئاسته بلدية لندن وبعدها من تصريحات ومواقف لا تليق برجل دولة!

.. بل بدا لكثيرين أن بوريس الإنكليزي هذا كان يبذل جهداً واضحاً للظهور وكأنه ابن غير شرعي لبوريس (يلتسن) الروسي، الذي تولى مواكبة مرحلة تفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار بنيانه الفضفاض، ورعاية نشوء وتبلور الجمهورية الروسية على أنقاضه في مطالع تسعينيات القرن الماضي!

وملامح الشبه في الاسم بين الاثنين زادها شيء من الشبه في الشكل الخارجي برغم فارق العمر! لكن ما بقي عالقاً في الأذهان عن بوريس الروسي، غير رعايته وقيادته المرحلة الانتقالية، وتحضير المسرح لتسليم ضابط الاستخبارات فلاديمير بوتين السلطة بكل ما فيها وحولها من فوضى وفساد! هو ما أغرى ملكات التماثل عند بوريس الإنكليزي على ما يبدو. أي غرابة التصرفات والتصريحات والحرص الدائم على مَسْرَحة القول والفعل! والتأكد من إصابة السامعين والمتفرجين بصدمة فورية!

تغيرت الصورة في المضمون بانتظار الشكل! وشيئاً فشيئاً ستأسر بوريس جونسون متطلبات المنصب وشروطه، وخصوصاً الطقوس والواجبات ومدونة السلوك.. عدا عن المواقف السياسية التي (مرة أخرى) لا تتحمل ترف الميوعة ولا البهلوانيات ولا المبالغات ولا المهيّجات التي صاحبت مثلاً حملته للخروج من الاتحاد الأوروبي والتي «توقّف» عندها وزراء خارجية أكثر من دولة أوروبية لاحقاً، ووصل الأمر بأحدهم (وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت) إلى حد وصفه بالكذاب بسببها!

متطلبات المنصب و»ظروف المرحلة» التي تشتمل على الإرهاب وتحديات النكبة السورية والنازحين والتوتر مع روسيا والخروج من أوروبا وغير ذلك، تجعل من جونسون مسؤولاً عن كل حرف ينطق به. وكل جملة يقولها. وكل بيان يصدره.. ولأن الأمر كذلك وأكثر، فإن ما قاله عن الأسد وحتمية اندحاره كشرط لازم لأي حل، يجب أن يؤخذ بجدية مضاعفة!

.. من كان يصدّق أن بوريس يلتسن سيمهد الطريق أمام تسليم السلطة لفلاديمير بوتين؟!