لم يتعلّم اللبنانيون من الحرب الأهلية، ولو بَعد 40 عاماً و150 ألف قتيل ونصف مليون جريح ومليون مهاجر ومهجَّر وآلاف المعوّقين. ولو عاد الأمر إلى اللبنانيين لنزلوا إلى الشارع يتقاتلون كما في العام 1975. لذلك، عليهم أن يشكروا «القرار الدولي» بمنعِ الحرب!
كلّ التقارير الديبلوماسية والدراسات والاستطلاعات استنتجَت أنّ اللبنانيين، بغالبيتهم، وبمختلف انتماءاتهم السياسية والطائفية والمذهبية، لم يتعلّموا شيئاً من حربهم الأهلية. وفي عبارة أشدّ وضوحاً، إنّ مناعة لبنان ضدّ الفتنة في العام 2015 ليسَت أفضل من مناعتِه عشيّة اندلاع الحرب في الـ 75.
وبالتفصيل، يمكن إستنتاج ما يأتي:
– شيعة 1975 كانوا فئة محرومة تشكو الانتهاكات الفلسطينية في «جنوبها». واليوم، بات لهم جيش أقوى من الجيش وامتدادٌ عسكري إقليمي. إذاً، فالدينامية العسكرية الشيعية هي اليوم أكثر جهوزية ممّا كانت عليه قبل 40 عاماً.
– سُنّة 1975 لم يكونوا لا مُعسكَرين ولا مُؤدلَجين. وقيل إنّ الفلسطينيين هم جيشهم. واليوم، خصوصاً بعد الصراع السوري، بات بعض بيئاتهم أكثر تَعَسكُراً وتَأدلُجاً- إسلاميّاً تحديداً- وانجَرّوا إلى المحاور الإقليمية. وفي الخلاصة، سُنَّة 2015 لم يعودوا كما سُنّة 75، وباتوا أكثرَ ديناميةً عسكرياً وإيديولوجياً.
– مسيحيّو 1975 لم يكونوا معسكرين. وبَعد صولاتٍ وجولات عسكرية هائلة، عادوا اليوم بلا سلاح. والأرجح أنّهم والدروز أبعدُ عن أجواء الفِتنة، لأنّ لا مصلحة لهم فيها. لكنّ المسيحيين تشرذموا ولم يتعلّموا مِن درس 1975 أنّ «الحياة هي انتصارُ للأقوياء في نفوسهم، لا للضعفاء»، كما يقول كمال جنبلاط.
– القوى والأحزاب المدنية والعلمانية كانت ناشطة عام 1975، ومع ذلك اندلعَت الحرب الطائفية. أمّا اليوم فلا يكاد يكون لها أثر، بعدما جرى «هضمها» في الصراع الطائفي والمذهبي.
– يبقى العاملان السوري والفلسطيني: لا نظام الأسد قرّر أن يتغيَّر تجاه لبنان، ولا الكثير من الفلسطينيين توقّفوا عن لعب الدور الذي يجعل منهم ضحيّة للمصالح الإقليمية.
لذلك، عدّة الحرب الأهلية لا تزال موجودة بل هي باتت أكثر جهوزية للاشتعال. و»بوسطة عين الرمّانة» متوقّفة على الإشارة الحمراء الدولية منذ سنوات، ولكنّ المحرِّك ما زال يعمل والسائق والركّاب موجودون… وكذلك، الذين ينتظرونها على الكوع جاهزون. وستكون الكارثة إذا ما ارتأى أصحاب القرار الدولي والإقليمي أن يضيئوا الإشارة الخضراء لـ»البوسطة».
فلبنان يَحتفل سَنوياً بذكرى 13 نيسان وكأنّها باتت شيئاً من الماضي السحيق، غير القابل للعودة. لكنّ لبنان ينجو من الفتنة لسَبب واحد، لا يتعلّق بحِكمة أهلِه أو سياسيّيه أو مسؤوليه، بل لأنّ القوى الدولية التي تعطي الأوامر لأزلامِها اللبنانيين بإشعال الحرب ليست اليوم في وارد قرار من هذا النوع، بل هي أوعزَت إلى الأزلام بالتزام التهدئة وتمرير المرحلة بالحدّ الأدنى من التوتّر.
وإذا تقاطعَت المصالح الدولية والإقليمية على التفجير مجدّداً في لبنان، سيكون مضموناً اندلاعُ الحرب الأهلية مجدّداً. فالأزلام الذين يتلقّون التعليمات بالتهدئة وينفِّذونها، ولو غصباً عن إرادتهم أحياناً، هم أيضاً يتلقّون التعليمات بالتفجير وينفِّذونها، ولو غصباً عن إرادتهم أحياناً.
لذلك، كان مثيراً أن يتشدّقَ بعض السياسيين بالعبارات العاطفية في ذكرى 13 نيسان، فيما هؤلاء أنفسُهم عاملٌ أساسيّ لاندلاع الحرب الأهلية، عندما يَحين وقتُ اندلاعِها. وحدَهم الطلّاب الذين نزلوا إلى الشارع رفضاً للحرب الأهلية هم الدعاة الحقيقيون إلى السِلم الأهلي. أمّا الكرنفالات الاستعراضية التي يقيمها تجّار المواقف فهي تَغطيةٌ على أدوارهم في الفتنة.
وكان أجدى من الكرنفالات أن ينظّمَ الجميعُ حلقات للبحث الجدّي لكي يعرفوا: لماذا اندلعَت حرب 1975، ولماذا هي مستمرّة ولو توقَّف المدفع وأزيلت خطوط التماس، جزئياً، ولماذا يمكن للمدفع أن يعود في أيّ لحظة… لولا الأفضال الدولية بصيانة الإستقرار.
فليُصَلِّ اللبنانيون لتبقى «البوسطة» متوقّفة عند الإشارة الدولية الحمراء!