بعدما إجتازت الحكومة أوّل امتحان لها بعد أزمة البساتين في الجبل، والتأم مجلس الوزراء في ظل اجواء ملبدة عكسها استمرار التباعد بين الفريقين المعنيين بذلك الحادث، عاد الكلام في الكواليس السياسية يتركز على الموقف الذي اطلقه رئيس الجمهورية من بيت الدين في دردشة مع الصحافيين المكلفين بتغطية اخباره، وعن الأسباب التي حدت بالرئيس عون إلى العدول عمّا تعهد به في السابق بدعوة الجميع إلى عقد هيئة الحوار الوطني لاستئناف البحث في وضع الاستراتيجية الدفاعية التي بدئ البحث فيها قبل أكثر من ست سنوات، وتوقف بعدما انتخب العماد عون رئيساً للجمهورية على اثر التسوية التي حصلت آنذاك.
الرئيس عون ارتكز في الموقف الذي اعلنه إلى المعطيات التي يملكها بالنسبة إلى هذه المسألة الشديدة الأهمية، وعللها بأن الظروف التي كانت تستدعي أو تحتم وضع مثل هذه الاستراتيجية الدفاعية تبدّلت أو تغيرت أو لم تعد موجودة، وان كان هو شخصياً وقبل انتخابه رئيساً للبلاد أول من وضع مشروعاً متكاملاً للاستراتيجية الدفاعية، وذلك بناء على المعطيات والضرورات التي اقتضتها تلك المرحلة، لكن الظروف الحالية قد تبدّلت أو لم تعد مؤاتية، وبالأخص ان فتح هذا الملف الدقيق الحساسية يخشى منه ان يفجر صراعاً داخلياً يزيد من حدة الانقسام السائدة ويؤدي حتماً إلى ضياع كل الفرص المعطاة دولياً للبنان للنهوض وتجاوز كل المصاعب التي يمر بها.
لكن تبريرات الرئيس عون لم تقنع معظم السياسيين ولا سيما منهم الفريق السيادي لأن التوقيت الذي اختاره رئيس الجمهورية لإثارة هذا الموضوع جاء غداة الرسائل التي بعث بها رئيس الحكومة من واشنطن والمتعلقة بالموقف الأميركي المتشدد من حزب الله وإصرار الإدارة على فرض مزيد من العقوبات عليه وربما توسيع هذه العقوبات لتشمل حلفاء الحزب، وربما توسعت أكثر لتشمل الدولة اللبنانية كلها، الأمر الذي يثير الشكوك حول الأسباب التي دفعت برئيس الجمهورية إلى اتخاذ هذا الموقف، وهل كان رداً على الرسائل الأميركية التي نقلها الرئيس الحريري، خصوصاً وان الرئيس لم يخف استياءه من هذه الرسائل وعبر عن هذا الاستياء بأنه يعمل لمصلحة بلدة، ولا يعنيه ما يقال في دوائر القرار.
رئيس حزب الكتائب كان أوّل من التقط رسالة رئيس الجمهورية فدعاه إلى الضرب على الطاولة والعودة إلى ما قبل العام 2005 لأن البلد مهدد بالعقوبات والحرب وهناك من يستولي على قراره، والمطلوب استعادة القرار الدفاعي والشروع فوراً في وضع استراتيجية دفاعية بدل التلطي وراء تبدل الظروف والمعطيات، واعتبر رئيس الكتائب ان الموقف الرافض الذي اتخذه رئيس الجمهورية للاستراتيجية الدفاعية معناه تسليم قرار الدولة لحزب الله وهذا بطبيعة الحال لا يؤمن دورة اقتصادية، ولا يُشجّع على السياحة، ولا يُشجّع الدول كي لا تفرض مزيدا من العقوبات على لبنان.
وليس بعيداً عن موقف رئيس الكتائب حرص البطريرك الماروني اثر زيارته رئيس الجمهورية في بيت الدين على ان يظهر خلافه مع الرئيس عون حول هذه المسألة بتأكيده على ان مسألة الاستراتيجية الدفاعية اساسية ومن الضروري ان يتم اعتمادها كونها ضرورة ماسة في حياة لبنان.
وإذا كان لم يظهر حتى الآن، أي ردّ فعل من رئيس مجلس الوزراء فإن المقرّبون منه لا يخفون انزعاجه من هذه المواقف، لأنها لا تنعكس سلباً على الاستقرار السياسي الداخلي، بل ستزيد من عزلة لبنان دولياً مما يؤثر سلباً على الجهود التي يبذلها مع المجتمع الدولي لانقاذه من الضائقة الاقتصادية التي يمر بها حالياً بتوفير كل الدعم اللازم.