IMLebanon

قاع القاع: إحمل سلاحك واتبعني!

 

«كلّ نازح سوري هو إرهابي، حتى يثبتَ العكس»، يردّد بعض اللبنانيين بتخوّف واضح. كلامٌ عنصري يظلم الكثير من اللاجئين الهاربين من أتون الحرب السورية، وينطبق على أفراد باعوا أنفسهم للمنافقين وشياطين القتل والموت، واندسّوا متمسكنين بين جماعات الوافدين من عائلات وعمّال.

لقد كان للتفجيرات الانتحارية التي ضربت بلدة القاع الحدودية اللبنانية أخيراً، والتي ذهب ضحيتها خمسة أشخاص وعشرات الجرحى، التردّدات نفسها التي عرفتها باريس بعد العمليات الإرهابية التي شهدتها العاصمة الفرنسية في أوقات متزامنة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لجهة التشدد في مكافحة الإرهاب المختبئ في ظلال اللجوء. وبسبب فعلة الإرهابيين بات السوري البريء يمشي في شوارع أوروبا، وفوق رأسه علامة استفهام. يرمقه بعض المارّة بنظرة فيها الخوف والحذر معاً، ويبتعدون: أهو لاجئ مسكين هارب من الموت، أم هو إرهابي متمسكِن يحمل الموت إلينا؟

رعب وحقد وعنصرية على المستوى الشعبي، وصعود مخيف لليمين المتطرّف، وخصوصاً إعادة النظر في سياسة الذراعين المفتوحتين للاجئين، وبلورة سياسة التوطين في الدول المجاورة لدفع الخطر بعيداً من حدود القارّة الأوروبية.

في لبنان، أعادت الأحداث الإرهابية الأخيرة السلاح الى الشارع، والأحزاب الى متاريسها، في ظلّ التخاذل السياسي باتخاذ «قرار تنظيمي للاجئين» الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتية، وآخر أمني يقضي بـ «الحسم وإطلاق يد الجيش» من دون أيّ تدخّلات أو اعتبارات. عودة الى الخانة صفر: هم يتسلّحون ونحن نتسلّح… الكلّ يتسلّح. كما في بداية السبعينات، مرحلة ما قبل الحرب الأهلية. يتضاعف السلاح اللاشرعي، وتتقلّص حدود الشرعية أكثر. ويصير البلد غابة مشرّعة على كلّ الاحتمالات، ومنسوب الرعب المتحكّم في اللبنانيين، يحدّد ردود فعلهم. تتسلّح كي تعيش وتحمي عائلتك، كما حصل في القاع. أو تموت أعزل على يد إرهابي مجنون. إحمل سلاحكَ، واتبعني! شعاراً للمرحلة المقبلة.

ماذا بعد؟ الأتون السوري يستعر أكثر فأكثر، والمصانع المورّدة للإرهاب تعمل ليل نهار بلا رقيب أو حسيب: التمويل مفتوح لا حدود له، والعناصر البشرية جاهزة للبرمجة والتصدير، جماعات جماعات، لا أفراداً. الأمر يشبه الرقص جماعياً فوق قبور مفتوحة، كما في حفل شيطاني يحتفل بالدم المهرق، ويحتقر الحياة أشدّ احتقار.

يقول صديق وزميل سعودي، ان تنظيم القاعدة أخطر بكثير من تنظيم داعش. فـ «داعش» صوت صارخ مدعوم مادياً، بمعنى أن وقف الضخّ المادي قادر على القضاء عليه. في حين أن «القاعدة» هو كيان منظَّم بتراتبيات وتكاتفات وأدوات مخيفة. وما يمكن لـ «القاعدة» أن ]نجزه، يعجز عن تحقيقه «داعش» بأدواته البدائية.

مع ذلك، أن صناعة الموت لدى التنظيمين واحدة، والفكر التكفيري واحد، والإساءة الى الدين والمتدينين هي هي، وإن اختلفت الأساليب والأهداف وأسلوب القتل. كيف يمكن ان نقنع أهالي ضحايا تفجيرات القاع، أن موت فيصل عاد وجوزف ليوس وماجد وهبي وبولس الأحمر وجورج فارس، على أيدي انتحاريي «داعش» أقلّ خطورة، من موتهم على يد انتحاريي «القاعدة»؟!