قبل 26 يوما من إحالته الى التقاعد، عيّن مجلس الوزراء أمس محافظ جبل لبنان فؤاد فليفل أميناً عاماً لمجلس الوزراء خلفا للقاضي سهيل بوجي.
سريعا قطعت حكومة تمام سلام حبل التأويلات: تمديد، ام تعيين، ام تكليف؟ عقدة التعيينات الامنية العالقة في عنق زجاجة التوافق السياسي، والاحراج الذي يمكن ان يسبّبه لسلام الركون الانتقائي الى الخيار الدستوري في مجلس الوزراء، لم يحولا دون صدور القرار بتعيين خليفة لبوجي.
منذ البداية كان احتمال التمديد لبوجي غير مطروح على بساط البحث، فكل «طرابيش» التحايل على القانون لم تكن لتغطيه في حال تعثر خيار التوافق. مع بلوغه الـ 68، سن تقاعد القضاة في لبنان، باتت احالته الى التقاعد مسألة محسومة. الرجل ليس عسكريا كي تفتح له أبواب «تأجيل التسريح» من السرايا. وإن كان بعض الوزراء يأخذون عليه ممازحين، بأنه «عسكري» في إدارته لقواعد اللعبة داخل الحكومة!
بقيت الاحتمالات تتأرجح بداية بين تكليف شخصية سنية او انتداب مؤقت، او صدور قرار بالتعيين. وعلى ما يبدو، فإن هذه الخطوة ستأتي بوجع الرأس الى الرئيس تمام سلام، فهي الحجة «الحديدية» للعماد ميشال عون بأن الحكومة الحالية ليست حكومة تصريف اعمال. على عهدها صدرت ثلاث دفعات من التعيينات (قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان)، ثم انفرجت مجددا بعد «كوما» طويلة، فصدرت تعيينات لجنة الرقابة على المصارف في 13 آذار الماضي، ولحقها تعيين «ذهبي» على مستوى الامانة العامة لمجلس الوزراء.
يوم صدور القرار بتعيين فليفل محافظا لجبل لبنان في الثاني من ايار من العام الماضي ضمن سلّة تعيينات شملت آنذاك محافظي بيروت والشمال وعكار وبعلبك الهرمل، تصرّف ميشال عون على أساس ان فليفل من «حصته» حتى لو لم يكن من سمّاه. وقد أسر امام عدد من زواره انه يرتاح له ويثق به، معتبرا إياه «من جماعتنا». أما موقف القوى السياسية عموما من تعيين فليفل بالامس فقد استند الى الرضى السياسي المسبق به لدى تعيينه قبل عام محافظا لجبل لبنان.
لكن التهليل العوني بتعيين محسوب على «اهل البيت» اكتسب أهمية مضاعفة لأنه ينتظر ان يستكمل، برأيهم، بتعيينات أمنية تعيد الاعتبار الى مبدأ احترام الاستحقاقات الدستورية ووقف بدعة التمديد داخل المؤسسات الامنية والعسكرية. حتى اليوم، لم يعمد أي طرف سياسي، باستثناء الضغط العوني، الى التلويح بقرب طرح بند التعيينات الامنية على مجلس الوزراء من ضمن جدول الاعمال او خارجه. أما في الكواليس فالـ «تطنيش» سيّد الموقف.
خلال وجوده في مؤتمر الدول المانحة في الكويت، ابلغ رئيس الحكومة تمام سلام الوزراء سجعان القزي وجبران باسيل ونهاد المشنوق أنه سيطرح في جلسة الاربعاء بند تعيين امين عام جديد لمجلس الوزراء من خارج جدول الاعمال. عمليا، كان كل الوزراء في الحكومة، ومنذ شهر تقريبا، في «أجواء» التعيين من دون ان يتلمّسوا عراقيل جدّية قد تقف بوجهه.
فالتعيين يطال منصبا سنيا يُعطى لرئيس الحكومة امتيازُ اختيار شاغله. وبطبيعة الحال، فإن اسم فؤاد فليفل، بتأكيد مطلعين، جاء خميرة التوافق الالزامي بين تمام سلام وسعد الحريري.
داخل جلسة مجلس الوزراء، أمس، صدر القرار بالتوافق من دون اي اعتراض على الاسم. حصل نقاش محدود تمحور حول نقطتين: هل يصدر التعيين منفردا، ام يصدر دفعة واحدة مع تعيين محافظ جديد لجبل لبنان؟
في النهاية تقاطعت المواقف عند ضرورة حصول التعيين قبل 26 نيسان، تاريخ إحالة بوجي الى التقاعد، لان تعيين محافظ جديد يستدعي إطلاق آلية تعيين أصيل (ستبدأ من اليوم) قد تأخذ مدّة شهر يصار عبرها الى اختيار الاسم البديل عن فليفل الذي بقي محافظا لجبل لبنان بالوكالة.
عمليا، لا شيء يوحي بأن بوجي سيغادر القصر الحكومي صبيحة السادس والعشرين من نيسان الحالي. الرجل باق في السرايا، حيث سيسمح له العرف المعتمد بالبقاء في قلب اللعبة عبر الاستمرار في الامساك بمفاصل «الشغل» الحكومي.
هشام الشعار وكلود مسعد والسفير زهير حمدان، أمناء ومدراء عامون من العهود السابقة. جميعهم يداومون في السرايا بمهام محددة. سهيل بوجي لن يكون نسخة عن هؤلاء. جميع قيادات «تيار المستقبل» من دون استثناء، حتى من هم خارج «الفلك الازرق»، يتحدّثون بشيء من التسليم أن دور بوجي لم ينته بعد، وبأنه حاجة تفرضها الظروف، والتوليفة القانونية حاضرة لشرعنة استمراره في مهامه: مستشار رئيس الحكومة.. و «اوكسيجين» دولته والوزراء!
اما من ينتظر بوجي على الكوع فلديه ما يقوله في هذا السياق. إذا كان مفهوما وقوف السلف الى جانب الخلف لمساعدته في البدايات على الانطلاق في مهامه كأمين عام لمجلس الوزراء، فإن «ساحر السرايا» يصعب ان يتقاعد بسهولة…