IMLebanon

مطمر برج حمود – الجديدة: أزمة تختزل الفساد والعجز

 

من المتوقع أن تفرض حجّة الطوارئ إيقاعها في الملف البيئي في الأيام المقبلة، إذ استنفد مطمر برج حمود- جديدة قدرته الإستيعابية ووصل “الموس إلى الرقبة”. وبعيداً من الإعلام، يسرّع المجلس التشريعي الخطى لتأمين التوافق السياسي المطلوب لإقرار مشروع “ردم البحر ونقل مرفأ الصيادين وأنابيب النفط”، بهدف حل الأزمة على طريقة “الإضطرار” المعهودة، في ظل إنذارات ضيق الوقت التي يخشى كثيرون أن تُفضي إلى تراكم أطنان من القمامة في شوارع العاصمة وأزقتها وأحيائها، وكما في بيروت كذلك في المتن وكسروان.

 

مشهد تجاوز المكب لطاقته الإستيعابية يبدو جلياً عند وصولك إلى مرفأ الصيادين، ودمج مريب ما بين تكرر الماء في البحر وضغط القمامة بشكل عشوائي وبلا ادنى معايير الإكتراث لما قد يحدث على المستوى البيئي. نفايات بيروت والمتن وكسروان ترمى على مبدأ “أكثر من القرد ما مسخ الله”، والرائحة المنبعثة من هناك تصيبك بحُكاك جلدي بعد دقائق، فما حال جيران المكب الدائمين!

خطة “تدارك المصيبة”

 

أيام معدودة تفصل اللبنانيين عن انفجار كارثة النفايات المتمادية منذ حزيران السنة الماضية مع انتهاء قدرة المطمر البحري ـ أُقيم من دون استكمال دراسة الأثر البيئي في منطقة “الجديدة” ـ على استيعاب كميات النفايات المنتجة، حيث يستقبل بين 1200 و1300 طن يومياً. بالتزامن، يُنتظر أن تعقد الكتل النيابية المتحكمة بزمام الأمور جولة مباحثات “طارئة” بغية حسم عدد من الشروط والمطالب، لقاء التصويت لصالح إقرار المشروع السيئ تفادياً للأسوأ ووضع الشعب أمام أمر واقع و”على مضض” لتجنّب إغراقهم بالقمامة.

 

يأتي مرفأ الصيادين، حيث يركن 736 زورق صيد والذي تم تحديثة بكلفة 12.6 مليون دولار، في صدارة المتضررين في “خطة تدارك المصيبة”، ولا سيما أن استمرارية حياة الصيادين وحياة عائلاتهم تعتمد بشكل رئيسي على عائدات بيع السمك، وقد تختفي الأمكنة المخصصة لرسو القوارب في المرفأ بردم ونفايات، ويرجّح مراقبون قفزة قياسية في معدلات الفقر مع انضمام الصيادين إلى اللائحة، على الرغم من الوعود غير المثبتة عن امكانية نقلهم إلى مرفأ جميل الجميّل بشكل موقت. ويقول الصياد “أبو ملحم” لـ”نداء الوطن” إن الموقت في نهج الأمور المتبعة في البلاد تعني أن لا عودة الى الوراء، ويضيف: “نستبعد كصيادين انشاء مرفأ بديل لنا والتفات الدولة لأمرنا، فخطة طمرنا التي أُرجئت سنة 2018 لأسباب انتخابية صار اقرارها ضرورة ملحّة”. وتابع: “أخبرنا المتخصصون أن أعمال توسيع المطمر وردم مرفئنا الحالي تتطلب ما لا يقل عن السنتين، وأن إنشاء أول خلية طمر تحتاج إلى أربعة أشهر، على الأقل، وسعة المطمر الحالي وصلت إلى ذروتها، أما نحن في هذه المعادلة فمشكلة ثانوية وعرضية لا محل لها من الإعراب، نحن وأنابيب النفط نقف في طريق صفقة نهب جديدة فقط”.

عادة، يتم تدارك الخطأ بالصواب ولكن في دولة المحسوبيات ستُدارك المصائب بفاجعة، إذ تتجه غالبية الآراء داخل المجلس التشريعي نحو تطبيق سياسة العمل بالتراضي، وتنفيذ خطة مجلس الإنماء والإعمار واعتماد احد خيارات توسعة مطمر برج حمود، التي عمل على صياغتها الإستشاري ليبون كونسلت كي لا يعلو جبل النفايات الحالي أكثر. وبعدما بات واضحاً أن اعتماد خطة بيئية مستدامة هو أمر بعيد من المناقشة، من المرجح أن تضع “ضرورات العجلة” وزير البيئة دميانوس قطار في زاوية تطبيق خيار الإستشاري الأول، الذي يقضي ببناء حاجز حماية بحري بطول 200 متر وإقامة خلايا لاستيعاب مليون و650 ألف طن، بعد ردم المساحة المائية الفاصلة جغرافياً بين مطمري برج حمود والجديدة ونقل الصيادين من المرفأ الموجود بين المطمرين، حيث أن تنفيذ هذا “التدبير الموقت” يهب الدولة أربع سنوات من الوقت من المفترض أن تغتنمها كفرصة لإنشاء “التدبير المستدام”، الذي يخرج لبنان من شبح التلوث والكلفة العالية لمعالجة النفايات.

كلفة منتهية الصلاحية

فاقم تهاوي الوضع الاقتصادي أزمات البلاد حتى البيئية منها، في ظل التراجع الحاد للإيرادات المالية وسعر الليرة، وبات لبنان على أعتاب عجز قياسي في موازنته التي أُقرَّت في نهاية الشهر الأول من السنة على وقع تظاهرات ومواجهات. واليوم مع تواصل نزيف الخسائر المالية الفادحة، سيحاول وزير البيئة قدر الإمكان امتصاص أزمة “تغيّر قيمة كل المشاريع التي تمت دراستها مسبقاً” وتأثيرها على ميزانية عمله، التي عادة ما تعتمد بشكل أساسي على “الاقتراض” من البنك الدولي من دون ترشيد الإنفاق.

 

فبعيداً من الشق البيئي لمسألة “توسيع المطمر” من المرجح أن يتبنى الوزير الحالي سياسة سلفه، وأن يتم التستر على أنه مع كل مطمر لا بد أن يكون هناك سد أو مقالع، إذ إن ردم القمامة يحتاج حكماً الى أتربة وصخور في حين نجد أن هذا الموضوع يغيب عن كل الدراسة الاستشارية. ومن ناحية أخرى، أعيد المشروع للدراسة من قبل مجلس الإنماء والإعمار، تماشياً مع مسألة التغيير في قيمة المشروع وجدواه. فحتى لو اعتمدت الدولة على الأسعار التعاقدية للمقاول “داني خوري” المُعتمد في هذا الملف والمقرب من “التيار الوطني الحر”، يُلاحظ أنه في التقييم المالي الأخير قُدِّرت كلفة نقل أنابيب النفط ونقل مرفأ الصيادين بمبلغ 13 مليون دولار، ذلك قبل تغير الأسعار في الآونة الأخيرة. أما كلفة كل ما تبقى من أعمال ردم وانشاء فتُقدر بـ 60 مليون دولار، وأن كل تلك التقديرات بُنيت على تسعيرات إما فقدت جدواها أو غيّرت هامش ربح المقاول.

 

أما بالنسبة لخطة التمويل، فيبدو ان الأمر غير محسوم حتى الساعة، ويتأرجح بين اقتراحات لا تتماشى مع الواقع الحالي، كاقتراح جدول اقتطاع نسبة من عائدات البلديات من الصندوق البلدي المستقل تقسيطاً للكلفة، مثالاً. بيد أن الفضيحة المُثارة أخيراً في أوروبا لجهة الفساد في ملف النفايات تحديداً، والتي تزامنت مع إدراج لبنان في مستويات متدنية جداً على مؤشر مدركات الفساد، ستعرقل حتماً العمل مع المانحين في تمويل أحد مشاريع ملف النفايات نفسه حتى لو كان تمويلاً صغيراً، ولا سيما الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد والبنك الدوليين.

 

طوارئ مربحة

 

“لسنا بحاجة لتوسيع مطمر برج حمود ولا الى ردم البحر”، بهذه الكلمات وصّف رئيس جمعية الارض- لبنان بول ابي راشد الوضع لـ”نداء الوطن”، وبصفته ممثلاً عن الجمعيات التي تعنى بشؤون البيئة (بموجب قرار صادر عن وزير البيئة رقم 234/1)، وقال: “لقد طرحنا مسبقاً في اجتماع لجنة تنسيق شؤون قطاع النفايات الصلبة في وزارة البيئة، وعرضنا الحل الحقيقي البعيد عن خطة طوارئهم المربحة التي يسوقون لها دائما “تحت الضغط”، وفي مقترحنا ما يغني لبنان عن صرف أموال طائلة على مشروع غير صحي لا حاجة لنا به، وكان ذلك في أيار السنة الماضية بحضور وزير البيئة فادي جريصاتي آنذاك وممثلين عن عدة وزارات، لكن يبدو أنهم مصرون على استكمال “مشروع لينور الإستثماري” بحجة الطوارئ”.

 

وشرح أبي راشد: “خطتنا طرحت حلاً جذرياً لإدارة 3000 طن يومياً من النفايات المنزلية الصلبة من دون الحاجة إلى تمويل ولا الى إنشاء مطامر جديدة، أما المطلوب هو،أولاً، خطة “مجوز مفرد التي اعتمدتها الداخلية على المواطن لكن بسيناريو بيئي”، أي الطلب من المواطنين رمي الفضلات العضوية فقط في المستوعبات أيام الإثنين والأربعاء والجمعة، مما يساهم في تسبيخ 1000 طن من النفايات العضوية يومياً في معملي الكورال وصيدا من جهة، ورمي المرفوضات فقط في المستوعبات أيام الثلثاء والخميس والسبت، مما يساهم بعدم تجاوز الـ 1000 طن يومياً من النفايات المطمورة في الكوستابرافا من جهة أخرى”. ويتابع: “هذا بالنسبة للمواطن، وبالتزامن علينا تخصيص مساحة في كل بلدية لتكون مركزاً للفرز والتخزين والترحيل مما يساهم بتدوير وتخزين 1000 طن يومياً من البلاستيك والورق والمعادن والزجاج والنفايات الموسمية والخطرة، إذ يؤدي هذا الحل المبني على تشغيل مركز التسبيخ في منطقة الكرنتينا-الكورال ومعمل IBC في صيدا ومركز فرز العمروسية وجزئياً معمل التسبيخ في الكوستا برافا، إلى توفير 75 دولاراً في كل طن من النفايات وإنقاذ مرفأ الصيادين في برج حمود-الجديدة، وحكماً إلى إطالة عمر مطمر الكوستابرافا حتى ست سنوات، ومن اليوم حتى سنة يطلب من دولتنا إنشاء معامل “كومبوست” جديدة ونشر ثقافة التخفيف، وإفساح المجال لوزارة البيئة بإيجاد موقع لمطمر صحي للعوادم وإقفال المطامر البحرية”.

 

من جهتها، اعتبرت وزيرة ظل البيئة في حزب سبعة، الدكتورة رانيا باسيل أن هذا التوسيع هو خرق لقانون حماية البيئة رقم 444 ولإتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط، وصرّحت لـ”نداء الوطن” أن توسيع المطمر مرفوض جملة وتفصيلاً، “يكفي أخذنا من خطة طوارئ 2016 إلى خطة طوارئ 2020، الوزارة ليست “ملزمة بتوسيع المطمر” بل ملزمة بمباشرة العمل باستراتيجية وحل مستدام ومحاسبة المسؤولين عن الفشل السابق، بخاصة أن العديد من البلدات قد أنشأت مراكز فرز وتسبيخ مثال بكفيا، بيت مري، رويسة البلوط، بريح الى ما هنالك، وأن الجمعيات الأهلية مستعدة للمساعدة وتقوم فعلياً منذ حوالى السنتين بمبادرات خاصة لجمع النفايات القابلة للتدوير”، وتابعت: “قلّ الإستهلاك في زمن الكورونا وقلّ معه انتاج النفايات وبعد أن كان مطمر الجديدة سيبلغ سعته الشهر الماضي، استطاع أن يستقبل النفايات لمدة أطول، وبالتالي، على الدولة اعتماد خطة التخفيف قبل أي خطة أخرى، اعتماداً على تجربة الحجر مع ملف النفايات”.

تحذيرات ورفض تام

 

ويحذّر نائب المتن الياس حنكش من مخطط لابيئي خطير يتمثل بمبدأ الطمر وتوسعة المطامر بذريعة “الضرورة وإلا…”. واعتبر حنكش في حديث لـ”نداء الوطن” أنه لا يجوز أن يدفع أهالي ساحل المتن ثمن فشل وفساد إدارة الملف البيئي وأن منطق تخيير الشعب بين السيئ والأسوأ بات مرفوضاً، فلا فرق بين ترك النفايات في الشوارع وتوسيع المطامر الا بدرجة الرداءة. وأكمل: “ننتظر اجتماعنا الثاني مع رئيس الوزراء نهاية الأسبوع الحالي، الذي سيكون بحضور وزير البيئة ورئيس اتحاد بلديات المتن ورؤساء البلديات المعنية للبحث في مجريات الأمور، على أمل أن يكون هناك توجّه لحل مستدام كالحلول التي عرضناها ونعرضها في الإجتماعات الوزارية والنيابية منذ ثماني سنوات في هباء”.

 

“إن خيار توسعة مطمر برج حمود – الجديدة مرفوض جملة وتفصيلاً”، بهذه الكلمات لخّص النائب فؤاد مخزومي موقفه من ردم المطمر وقال لـ”نداء الوطن” إنه كما رفض مشروع المحارق في بيروت في السابق سيرفض اللجوء إلى توسعة المطمر وردم المساحة المائية الواقعة بين مطمري برج حمود والجديدة، واستعمالها لإنشاء خلية لطمر النفايات وإلغاء مرفأ الصيادين في المكان أيضاً. وتساءل: “فماذا سيكون مصير الصيادين الذين يفوق عدد زوارقهم الـ700، وماذا عن الميناء الذي تم تجديده حديثاً بحوالى 12.6 مليون دولار؟ والسؤال الأهم هل تم إجراء دراسة بيئية كما هو مطلوب في قانون البيئة رقم 444؟ إن هذا المشروع يعتبر خرقاً لاتفاقية برشلونة الرامية لحماية البحر المتوسط، كما أن مشروعاً كهذا سيصبح سابقة يتم استعمالها لمشاريع طمر البحر في مناطق مختلفة”.

 

كما رأى المخزومي أن “هناك العديد من الأسئلة والنقاط التي يجب البحث فيها قبل اللجوء إلى هكذا خيار. علماً أن هنالك الكثير من الخطط البديلة منها خطة إدارة نفايات بيروت وجبل لبنان التي تقترحها جمعية الأرض- لبنان. كما أن لدى مؤسسة مخزومي برنامجاً للبيئة نعمل على توسيعه. لكن من يريدون الاستفادة من المحاصصة وتقاسم المغانم يعمدون دائماً إلى المماطلة في تنفيذ الخطط البديلة، لتصبح هنالك حالة طوارئ تستعمل للضغط من أجل تنفيذ مشروعهم، ولا سيما أن الجهات المسؤولة عن التنفيذ والمقاولين والمستفيدين من المطامر وعملية الطمر هم أنفسهم… فمن يحاسب وأين الشفافية في هكذا مشاريع؟”.

 

وأردف: “على الجميع الاتعاظ من الأزمة الصحية التي خلّفها فيروس كورونا للبحث جدياً بحلول ناجعة لمختلف الأزمات البيئية. فهذه الأزمة التي فرضت التعبئة العامة والحجر الصحي خففت من مفاعيل أزمة النفايات لجهة انخفاض معدل الاستهلاك الذي أدى بدوره إلى تراجع حجم النفايات. وكان من الأجدى أن تستغل الحكومة هذا التراجع لتفعيل الإجراءات القائمة على التخفيف والفرز بالدرجة الأولى، بعيداً من الحلول التي تضر بالبيئة كالمطامر والمحارق”.

 

وبرأيه يكمن الحل في اتباع خطة بحسب القانون 80 ومنها: “التخفيف من إنتاج النفايات، اعتماد سياسة الفرز من المصدر أساسية، العمل على وضع قوانين وسياسات ومحفزات إقتصادية وفرض غرامات مرتفعة على المخالفين، من أجل التخفيف من إنتاج النفايات بخاصة تلك التي لا يمكن إعادة تدويرها، استبدال شاحنات النقل الضاغطة بشاحنات غير ضاغطة لتحسين إمكانية الفرز الثانوي ونوعية النفايات المفرزة لإعادة التدوير أو للمعالجة البيولوجية. إضافة إلى اعتماد خطة لامركزية وتشكيل هيئة ناظمة للإشراف على إدارة النفايات الصلبة، استصدار قوانين وتشريعات للتخفيف من انتاج النفايات وإدخال ثقافة التخفيف من الإنتاج والفرز من المصدر في المناهج التربوية لنشر الوعي لدى الجيل الجديد”.