قبل ساعة من مغادرة المستشارة الألمانية أنغيلا مركل ألمانيا للتوجه إلى الجزائر في زيارة رسمية، أُبلغت بإلغاء الزيارة لأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مصاب بالتهاب رئوي.
وأطرف ما تم رسمه من كاريكاتور للرسام الجزائري المعروف ديليم، صورة طائرة مركل عليها العلم الألماني وفي الرسم جنرال جزائري إلى جانبه بوتفليقة جالس على كرسي للمقعدين والجنرال يطلب من الطائرة الألمانية أن توصل بوتفليقة إلى المستشفى في غرونوبل في فرنسا حيث يتلقى العلاج منذ إصابته بالجلطة من فترة إلى أخرى. والرئيس الجزائري في ولايته الرئاسية الرابعة، وبعض الأوساط كانت تتحدث عن احتمال بقائه لولاية خامسة.
غريب أن هذا البلد الكبير الشاسع والغني بالنفط والغاز لم يجد له رئيساً آخر في صحة جيدة، فبوتفليقة سدّد دين بلاده الخارجي الباهظ بالكامل. وعلى رغم انخفاض سعر النفط في السنتين الأخيرتين، ومشكلاته الصحية التي تعيق مسار أمور بلد يعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية كبرى، وإزالة الدين، وإحاطة البلد بثورات ليبية وتونسية، بقيت الجزائر مستقرة.
وينقل جميع زوار الجزائر الكبار الذين سبق والتقوا بوتفليقة، عنه صعوبة بالغة في الكلام، كما يؤكدون أن فهمه سليم وأنه ما زال هو صاحب القرار في الجزائر مع بعض المقربين منه في المؤسسة العسكرية. وكان بوتفليقة وهو مريض، اختلف مع أحد أركان المؤسسة العسكرية الذي كان يُعتبر الرجل القوي الذي يملك القرار الجنرال توفيق مديان، وتمكن من إبعاده. لكن يتردد الآن أن توفيق مديان ما زال يحرك قرارات وراء الكواليس. إن أغرب ما في الجزائر أن الكل في العالم مدرك أن المؤسسة العسكرية هي التي تقرر من سيكون مرشح للانتخابات الرئاسية، ثم هي تقرر في النهاية من سيكون الرئيس بين من اختارتهم للترشيح حتى أنه أصبح أمراً واقعاً مقبولاً عالمياً لا يناقشه أحد.
فهو مسار خاص بالجزائر، حيث المؤسسة العسكرية لا تزال مهيمنة، ولو أن بوتفليقة حاول إبعادها والسعي إلى بعض الاستقلالية منها. والآن وخلافة بوتفليقة على المحك بسبب تأزم وضعه الصحي، يكمن السؤال في مَن سيكون، مِن بين الذين ستختارهم المؤسسة العسكرية، المرشح للرئاسة. ومن بين الأسماء التي يتم تداولها رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى رئيس مكتب بوتفليقة أو رئيس الحكومة الحالي عبد الملك سلال وغيرهم من كبار المسؤولين الذين لعبوا دوراً أساسياً في الجزائر. وذُكر اسم وزير الطاقة الجزائري السابق شكيب خليل لقربه من بوتفليقة، وهو كان غادر الجزائر ثم عاد إليها بعد اتهامه بفضيحة فساد مع شركة نفط إيطالية.
والرجل القوي الآخر في الجزائر هو سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الذي ينفذ كل ما يريده الرئيس خلال مرضه ويستخدم نفوذه على كل الأصعدة.
والغريب في هذا البلد أن المؤسسة العسكرية عجزت عن الاتفاق على مرشح آخر لولاية رابعة لرجل أنهكه المرض وتحدثت عن احتمال ولاية خامسة في ظل أوضاع إقليمية خطيرة. ففوضى ليبيا على الحدود الجزائرية، وأويحيى يحاول لعب دور على هذا الصعيد والخطر من الإرهاب يهدد كل منطقة أفريقيا الشمالية. والمشاكل التي تواجهها الجزائر في الداخل كبيرة من بطالة الشباب وأوضاع اجتماعية متأزمة. ومع ذلك يبقى رأس الدولة هو نفسه منذ أربع ولايات كأن الجزائر خالية من رجال دولة في إمكانهم أن يتسلموا هذا المنصب.
فبوتفليقة نجح في القيام بالمصالحة الوطنية والتخلص من الدين، وهذا كان في مصلحة البلد، ولكن ماذا بعد؟ الجزائر بلد كبير وجميل ولكن السياحة فيه، التي كان بالإمكان أن تكون ثروة له، فاشلة، فلا الخدمات فيه تحسنت ولا التنظيم والانفتاح على الخارج أصبح أفضل في عهد بوتفليقة. أما الفساد، فمثل أغلبية الدول العربية، ما زال ذاته. الخلاصة أن لا خوف على الخلافة في الجزائر، لأن هنالك جيشاً ومؤسسة عسكرية قوية شرط أن تتفق على أن يكون رأس الدولة قادراً على القيام بمهمته صحياً وعلى الصعيد السياسي.