IMLebanon

حرب لـ”نداء الوطن”: لماذا لم يكن “التدقيق” ضرورة حين كانت الحكومة تتمتّع بصلاحيات؟

 

“بيّ الكلّ” ليس شعاراً للجدران… بل للتطبيق

 

 

 

دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون في رسالته المتلفزة الاخيرة، حكومة تصريف الأعمال إلى عقد جلسة استثنائية، من باب “التدقيق الجنائي”، لاتخاذ القرار المناسب لحماية ودائع الناس وكشف أسباب الانهيار وتحديد المسؤوليات، تمهيداً للمحاسبة واسترداد الحقوق، لم تجد بعد آذاناً صاغية في السراي الحكومي، وكل المؤشرات تشي بأن الرئيس حسان دياب لن يغامر في خطوة كهذه، لاعتبارات “سياسية” لا “دستورية”، فيما يستعجل البعض وضع “التدقيق” موضع التنفيذ”، وتالياً اجتماع حكومة تصريف الاعمال، على اعتبار “أنّ الضرورات تبيح المحظورات”.

 

الوزير السابق بطرس حرب توقّف عند توجيه رئيس الجمهورية اربع رسائل الى الشعب اللبناني خلال فترة قصيرة، ورأى أنه “أمر مستغرب ويدلّل الى أنه يواجه مشاكل هو عاجز عن حلّها بالصلاحيات والممارسة التي ينتهجها، فيطرح بالتالي امام الرأي العام وجهة نظره في مواجهة وجهة نظر من يجب أن يشاركه في السلطة، وهذا أمر غير معقول، وغير مُعتمد في الانظمة الديموقراطية. فرئيس البلاد هو رئيس كل الناس، ولا يطلّ عليهم كل يوم”.

 

وأكد حرب لـ”نداء الوطن” أنّ “التوجه بكلام رئاسي الى الرأي العام اللبناني أو الى مجلس النواب هو عمل استثنائي لا يحصل الا في الازمات الكبرى للإضاءة على المشكلة واطلاع الرأي العام عليها، أو للطلب من مجلس النواب اتخاذ موقف منها. فإذا شاء رئيس الجمهورية أن يظهر كل يوم على شاشات التلفزة لتوجيه رسائل الى اللبنانيين، تفقد رسائله قيمتها المعنوية والسياسية، هذا في الشكل”.

 

أضاف حرب: “أما في المضمون، فأنا كلبناني ما يهمّني ليس تبرير الرئيس لسوء الحال اليوم، إنّما كيف نجد حلولاً لهذه الحالة المتأزّمة. صحيح أنّ التحقيق الجنائي يهمّني، ولكن ما يهمّني أكثر هو النتائج التي ستترتّب عليه. طبعاً نريد تحقيقاً جنائياً لكي تظهر الارتكابات، ويُحاكم أصحابها، ولكن ذلك لا يحلّ المشكلة، لأنّه يجب على من يُحاكِم أن يكون مستقلّاً غير خاضع لتوجيهات السلطة السياسية، وهو ما يتعارض مع موقف الرئيس من تعطيل التشكيلات القضائية لإبقاء القضاء تحت سيطرته، ما يعني أنّ التحقيق الجنائي اذا لم يواكبه قضاء مستقل يحاكم المرتكبين فهذا لن يحلّ المشكلة. فلسنا في معرض توزيع المسؤوليات عن الحالة التي بلغتها البلاد. المشكلة أن البلاد تغرق وتنزف فيما نحن نتلهّى اليوم، فعلى من تقع المسؤولية؟ المسؤولية يجب أن تتحدّد طبعاً، ولكن قبل ذلك يجب أن تتشكّل الحكومة لكي تتّخذ القرارات الكفيلة بايجاد الحلول للمشكلات الكبيرة التي يتخبّط فيها لبنان واللبنانيون”.

 

وتابع حرب: “المشكلة أنّ التدقيق الجنائي مطروح منذ مدة طويلة، واذا كانوا يعتبرونه اليوم من الضرورات، فلماذا لم يكن كذلك حين كانت الحكومة تتمتّع بصلاحيات؟ واذا كانت المشكلة في السياسة التي اتّبعها حاكم مصرف لبنان والمجلس المركزي، فلماذا تمّ التجديد له للمرّة الخامسة؟ ولماذا لم يُتّخذ أي تدبير بحقّه حينها؟ أنا أستغرب حقيقة كيفية التعاطي مع هذا الامر. في النتيجة اذا اتّخذت الحكومة أي قرار يستدعي أي تعديل للقانون، وطريقه الى مجلس النواب، فهل الحكومة المستقيلة قادرة دستورياً على اتخاذ قرارات تتجاوز مفهوم التصريف الضيّق للاعمال المنصوص عنها دستورياً؟ واذا كان الرئيس حريصاً على محاسبة المسؤولين جدّياً فلماذا لا يسهّل تشكيل حكومة قادرة على اتخاذ القرارات الضرورية للإنقاذ”؟

 

ورأى حرب أنّ “اللجوء الى تفعيل الحكومة المستقيلة يخالف الدستور المطلوب احترامه، والمفروض أن تتشكّل حكومة بسرعة”. وقال: “فلنقرّ أنّ الصراعات القائمة على مناصب ونفوذ ومراكز ووزارات هي سبب الشلل وتخبّط البلاد اليوم في ازمات متعاظمة، بحيث نلجأ الى تدابير جانبية “تفشّ” خلق الناس اكثر ممّا تحّل المشكلة، وهذا مؤسف ويدلّ على قُصر نظر وتقصير وعدم معرفة وعدم كفاءة، اضافة الى أنه يدل على أنّ هَمّ المسؤولين ليس حلّ مشاكل البلد، بل معرفة كيف يؤمّنون مصالحهم ليتوزّعوا السلطة والمناصب”.

 

ما هكذا تمارس الصلاحية

 

وعن تأكيد عون أن لبنان يلتزم تطبيق اتفاق الطائف الذي انبثق منه الدستور، أجاب حرب: “في اعتقادي، أن كل ما يجري هو مخالف لاتفاق الطائف، سواء لناحية كيفية التعاطي مع الصلاحيات الممنوحة لكل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة. فما هكذا تمارس هذه الصلاحية، فالصلاحية اُعطيت لهما للاتفاق على التشكيل وليس للخلاف عليه. طبعاً هذا لا يعني أنّ الرئيس المكلف يستطيع ان يفرض رأيه على رئيس الجمهورية، كذلك لا يعني أن رئيس الجمهورية يتشبّث ويحاول عرقلة التشكيل لكي يفوز بحصة في السلطة، يفترض برئيس الجمهورية أن يكون هو رأس السلطة ورئيس كل الوزراء ورئيس كل مؤسسات الدولة، لا أن يحظى بحصة وزارية في وجه وزراء آخرين، ويفترض به أن يكون رئيس جميع اللبنانيين وليس رئيس فريق، فشعار “بيّ الكل” لا يعلّق على الجدران بل يُطبّق بالممارسة، لكنّ الرئيس يمارس دور “بيّ فريق” ضدّ آخرين، هو “بيّ” حزبه وأتباعه ضدّ كثيرين، وهذا يسقط موقع الرئاسة الاولى ويحوّلها الى احد مراكز القوى السياسية الخاضعة للمساءلة والمحاسبة”.

 

وعن التلويح باجراءات ضدّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أكد حرب ان “الدستور لا يسمح للحكومة المستقيلة ان تتخذ اجراءات في هذا الشأن، فأي خطوة من هذا القبيل تشكّل مخالفة دستورية، وفي رأيي اذا شاء رئيس الجمهورية أن يعالج هذا الموضوع فليسارع الى تشكيل الحكومة كي تتولّى الحكومة الجديدة اتخاذ القرار الذي تجده مناسباً”.