الثقة بالنفس وبالتأييد الشعبي التيي يملكها وزير الاتصالات بطرس حرب توحي وكأن في حوزته معطيات لا يعلم بها أحد غيره، بشأن عدم تمكن الإتفاق القواتي ــ العوني من اختراق سوره في قضاء البترون. ينتمي حرب إلى نادي «المستقلين» الذي يتعرض إلى «حرب إلغاء» من تحالف الـ»86%». لم يبدأ بعد الإعداد للإنتخابات النيابية بانتظار تبيان معطيات عدّة، ولكن «يللي بيشتغل بأرضو ما بيتعب»
يجلس وزير الإتصالات في حكومة تصريف الأعمال بطرس حرب خلف مكتبه في الوزارة، شابكاً أصابع يديه. ترتسم على شفتيه ابتسامة خفيفة وهو يتذكر حادثة قديمة حصلت في تنورين بطلها «ختيار». كانت فترة الإنتخابات النيابية، في أحد أيام الصيف الحارّة، يوم لم يكن تنتشر المركبات في القرى فكان أبناء الضيعة يتوجهون إلى مركز الاقتراع سيراً على الأقدام.
أعيا بعضهم التعب، فجلسوا يستريحون حين صودف مرور النائب السابق كميل عقل (كان يترشح في وجه النائب الراحل جان حرب ــ عم النائب حرب ــ قبل أن يتحالفا عام 1964). حيّا عقل الرجال قائلاً: «يعطيكم العافية، عم تتعبوا». فما كان من الرجل المتقدم بالعمر إلا أن ردّ عليه، «يللي بيشتغل بأرضو ما بيتعب». بهذه الرواية، يردّ حرب على السؤال الذي يُطرح حول إمكانية تطويق الحالة التي كونّها في قضاء البترون، وخاصة بعد التحالف بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.
حرب لجعجع: عوض جذب المعارضين لكم، تحاولون خرق شارعنا
يعود الوجود السياسي لآل حرب في البترون إلى أيام المتصرفية. عائلة تقليدية كسبت لقب المشيخة فباتت مرجعاً في المنطقة. تعاقبت على تمثيلها في المجلس النيابي أسماء عدّة، آخرهم بطرس حرب الذي ورث المقعد عن عمّه جان. حافظ حرب على الحيثية التي تملكها عائلته وعمل على تثبيت نفسه نائباً خدماتياً من الجيل الأول، فلم يواجه عملياً أي مزاحمة سياسية في عقر داره تنورين. ساعده على ذلك حلفه القديم مع حزب القوات اللبنانية. ولكن، لم يدم الأمر قبل أن تُقرر القوات و»التيار» حصر «التمثيل المسيحي» بهما، وبالتالي «إقصاء» المستقلين. فكانت معركة الإنتخابات البلدية في تنورين، ذات الطابع السياسي. تحالف حرب مع تيار المستقبل وحزب الكتائب وتيار المردة، ونجح في عدم «كسره». إلا أنّ حسابات البلدية تختلف عن حسابات الإنتخابات النيابية. أولاً المنافسة لن تكون محصورة بنطاق بلدية، بل ستشمل القضاء ككلّ. ثانياً، قانون الإنتخابات النافذ ــ إذا لم يُقر قانون جديد ــ لا يحفظ مكاناً لمن ينال 49% من الأصوات، لذا ستكون منافسة حزبين قويين أمراً صعباً. ثالثاً، حتى لو لم تكن وزارة الاتصالات حقيبة «خدماتية» بالدرجة الأولى، إلا إنّها ساهمت في تعزيز موقعه على هذا الصعيد. لن تكون معركة حرب النيابية سهلة وخاصة أنه ينتمي إلى الـ20% الذين تحدّث عنهم رئيس الجمهورية ميشال عون (بحسب ما نقلت عنه صحيفة «السفير» أمس)، كمعارضين لحكمه، واصفاً إياهم بـ»شبكة مافيوية سنحاربها ونمنعها من الإمساك بمقدرات البلد». وقبل أن يصدر بيان توضيحي عن المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية، ردّ حرب بأنه لا يمكن رئيس الجمهورية أن يعُدّ من لم يؤيدوه أو من لم يرحبوا بوصوله إلى رئاسة الجمهورية بأنهم عبارة عن شبكة مافيوية، «بل هم مواطنون لهم الحق باتخاذ الموقف الذي ينسجم مع اقتناعاتهم. وأن دور رئيس الجمهورية احترام رأي المواطنين وحماية حقوق المؤيدين والمعترضين على السواء».
يقول حرب إنّ المعركة الكُبرى ستكون في البترون. ولكنه يضعها في إطار «معركة رئيس الظلّ (وزير الخارجية جبران باسيل) ومواطن عادي اسمه بطرس حرب». التجارب السابقة «لم تكن لمصلحة رئيس الظلّ». لذلك، يقول حرب لـ»الأخبار» «أنا واثق بنفسي واتكالي هو على الناس الذين هم خارج الإصطفافات».
ما زال ابن تنورين يداوم في مكتب الوزارة وسط بيروت «حتى ما عذّب الموظفين يبعتولي البريد على البيت». الفترة التي قضاها في الحكومة «كانت من الأصعب والأسوأ، فلم يكن جو مجلس الوزراء يواكب معاناة الناس وحاجاتهم». وهو لم يستقِل لأنّ «الإستقالة لن تُغير شيئاً، واعتبرت استمراري من أجل الحدّ من الأضرار». لذلك انتخاب رئيس جديد للجمهورية «أراحني لأنّ استمرارنا غير طبيعي». لن يكون حرب وزيراً في حكومة الرئيس سعد الحريري، ولكنه لا يرى أنّ لذلك انعكاسات سلبية عليه. هناك في الثقافة السياسية «مدرسة جديدة ترى أنه إن لم يكن في السلطة فهو ليس له دور. لكن في الواقع، دور النواب أهم من دور الوزراء». أما في الإنتخابات النيابية، فـ»للمواطن رأي أساسي في تكوين السلطة»، وخاصة إذا ما وجد نفسه أمام «تحالفات غير طبيعية». يهّم حرب التوضيح أنّه أحد المرحبين بالتفاهم العوني ــ القواتي «لأن الصراع كان كارثياً». المشكلة هي أنّ «الطروحات لا تُقدم مشاريع واضحة… التفاهم كان من أجل مرحلة».
يُنقل أنّه في إحدى الجلسات بين حرب ورئيس حزب القوات سمير جعجع، قال وزير الإتصالات لقيادة معراب ممازحاً: «عوض أن تحاولوا توسيع قاعدتكم عبر جذب المعارضين لكم، تحاولون خرق شارعنا». في المزاح يكمن الجدّ، والرسالة التي أراد حرب إيصالها واضحة، وفيها يكمن هاجسه الحقيقي. بيد أنّ حرب يُصر في حديثه على القول «اختلفنا حول بعض المواقف مع جعجع، لكن العلاقة لم تنقطع مع معراب، وهناك تواصل والتعاون قائم مع القاعدة القواتية». القاعدة نفسها التي حاولت تطويقه في «بلديّة» تنورين.
ما زال من المُبكر بالنسبة إليه الحديث عن الإنتخابات النيابية والتحالفات قبل «أن نعرف ما هو القانون، واستمرارية التحالفات القائمة، وعلى أي أسس ستُخاض المعركة». نتيجة المواقف التي تُطلق، يرى حرب وجود «شغل تعطيلي يحول دون إقرار قانون الإنتخابات». بالنسبة إليه القانون الأمثل هو «نظام الدائرة الفردية»، ولكن، «على الصعيد الشخصي ما عندي مشكلة بأي قانون».