IMLebanon

بطرس حرب شيخ تنورين الأوحد

واجه وزير الاتصالات بطرس حرب، أمس، للمرة الأولى منذ نحو 20 سنة، معركة بلدية ــــ سياسية في قلب مسقط رأسه. لم يكن الغرض من مواجهة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية له الفوز، لعلمهم المسبق باستحالته، بقدر ما هو بارومتر لقياس الأحجام الحزبية في البلدة وما إذا كان بالإمكان إسقاط حرب في الاستحقاق النيابي المقبل. النتيجة الأولية التي ظهرت لم تكن لمصلحة الثنائي. بطرس حرب لا يزال شيخ تنورين الأوحد

«نحن كان بدنا التوافق»، يقول أحد أهالي تنورين التحتا المناصرين للائحة الوزير بطرس حرب بحدّة، قبل أن يخطفه اتصال هاتفي فيطلق عنان لسانه وفارداً ملامح وجهه: «كيفا أوستراليا»؟ ما هي إلا لحظات حتى يلتقط الحديث الانتخابي مع المتصل ويبتسم منفعلاً: «مروحينن سلاطة»! هكذا هي الحال في مسقط رأس حرب في قضاء البترون.

ففي الظاهر، تمسّك حرب بالتوافق بيديه وأسنانه، ولكن الواقع أن المعركة بين الوزير وتيار المستقبل وحزب الكتائب اللبنانية والمردة في وجه التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، مشتعلة بين هؤلاء كما بين مناصريهم. فيما عندما تسأل التيار عن التوافق، يجيبك بما كتب على لافتة في وطى حوب، إحدى قرى تنورين: «حكينا توافق جاوبوا تعيين».

تشق تنورين التحتا طريقها من الجبل الذي تتفيأ تحته نحو تنورين الفوقا. تغيب اللافتات والدعايات الانتخابية لتحل مكانها لوحات طبيعية مرسومة في الوادي من جهة، وعلى الجبال من الضفة الأخرى. في عاصمة تنورين، حيث مركز البلدية، يعيد الكلام نفسه: «معركتنا إنمائية»، رغم تسييس المواجهة في شكل كامل إن من قبل حرب أو من قبل وزير الخارجية جبران باسيل. الثابت هنا، أن حرب كان يسرح ويمرح في منطقة تنورين منذ أكثر من 30 سنة من دون حسيب أو رقيب، مزكياً «التشريع» على أي عمل آخر. فالتيار اكتفى بنفوذه القوي في مدينة البترون وسعى إلى توسيع نفوذه في الوسط، تاركاً الجرد، أي تنورين، لحرب. وقد وصل النقاش العوني في مرحلة سابقة الى التفكير في مسألة تعيين مندوبين في البلدة أو لا. لكنه سيراجع حساباته «الإنمائية» من الآن وصاعداً بعدما انضمت بلدته الى وثيقة إعلان النوايا العونية ــــ القواتية. وإن حالفها الحظ سيلحظها الزفت ليرمم طرقاتها المتعرجة، وربما يصار أيضاً الى توسيع الشوارع التي تكاد لا تتسع لسيارة واحدة، الأمر الذي تسبب بزحمة سير خانقة أمام مراكز الاقتراع. فالنتيجة محسومة سلفاً لمصلحة لائحة قرار تنورين برئاسة المهندس بهاء حرب، لأن عائلة حرب تشكل نحو 56% من ناخبي تنورين، وغالبية أصواتها بلوك واحد غير مشتت. وبالمناسبة، بهاء حرب ترشح سابقاً الى الانتخابات النيابية عام 2000 ضد بطرس حرب، قبل أن يسحبه الرئيس الراحل الياس الهراوي بطريقته. فأكمل مسيرته السياسية في الظل كقومي سوري معارض لنهج حرب.

ويشاع في البلدة أن تيار المستقبل صنع معجزة، إذ تحوّل القومي السوري وعدو بطرس حرب اللدود بسحر ساحر الى حريري حليف لحرب بعدما انتشله المستقبل من مستنقعه المالي ليلقي به في الكويت حيث ازدهر عمله. وهكذا حفظ حرب الجميل الحريري وساهم في 2009 بدعم الوزير حرب عبر الحرص على عدم انتخاب موظفيه سواه، قبل أن يترأس لائحته البلدية هذا العام. وهي المرة الأولى منذ نحو 20 عاماً التي يكون فيها رئيس البلدية من عائلة حرب، إذ واظب الوزير على تعيين ريّاس من مختلف العائلات؛ وآخرها عائلة طربيه. ولكنه اضطر إلى أن يواجه لائحة التيار والقوات برئاسة العميد المتقاعد أيوب حرب بمرشح من العائلة نفسها كي يشد العصب الحربي ويضمن غالبية أصواتهم. من جهة أخرى، تعتبر عائلة يونس الناخب الثاني في البلدة، وقد ساهمت مصالحة باسيل معهم في رفع معنويات لائحة «تنورين بتجمعنا»، وخصوصاً أنهم رفضوا دخول لائحة الوزير حرب ورشحوا أحد أبنائهم معه. غير أن ابن النائب السابق مانويل يونس تمرد على قرار العائلة عبر انضمامه الى صفوف الوزير حرب وترشيحه أحد موظفيه معه، الأمر الذي سبّب جفاء ضمن أبناء العائلة الواحدة. فتاريخياً تخوض تنورين استحقاقها البلدي بين فريقين: فريق بقيادة آل يونس وفريق بقيادة آل حرب. فيما عائلة طربيه انقلبت على حرب غداة رفضه تبني مرشحها.

يتشابه المشهد الانتخابي في تنورين بظروف معركة زحلة، فالتحالف القواتي ـــ العوني خاض معركته في البترون ضد بيت سياسي يسيطر على البلدية منذ عشرات السنين، وضد نائب ووزير يشتهر ببذخه الخدماتي اللامتناهي للتنوريين: توظيفات لا تعد ولا تحصى في وزارة التربية وداخل الجامعة اللبنانية ومستشفى تنورين الحكومي والمدارس والثانويات… والبلدية بطبيعة الحال. فيما يغيب عنصر المال من سجلات حرب، فالأخير خدماتي لا رجل أعمال. من جهة أخرى، وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات البلدية، يمكن الخروج بثلاث ملاحظات:

ــــ أولاً، استفاق التيار الوطني الحر للمرة الأولى منذ عشرات السنين، فقرر وحزب القوات اللبنانية خوض معركة جدية ضد شيخ البلدة بطرس حرب المستأثر بالبلدية منذ أعوام طويلة.

ــــ ثانياً، لكل صوت أهميته في هذا الاستحقاق لأنه بروفة للانتخابات النيابية. وإذا ما استطاع تحالف الرابية ــــ معراب حصد 40% من أصوات البلدة، يمكنه الفوز بالمقعدين النيابيين في قضاء البترون نظراً الى أن التيار يحوز نحو 90% من أصوات مدينة البترون. وبدا الأمر واضحاً أمس عقب جولة في المدينة حيث انحصر الوجود الحزبي قرب مراكز الاقتراع باللون البرتقالي.

ــــ ثالثاً، يكرّس هذا الاستحقاق ضعف حزب الكتائب، رغم وجوده التاريخي في البلدة قبل القوات والتيار بكثير. ودأب آل الجميل على دعم القوى الثورية ضد الإقطاع، قبل أن يقرر من تبقى منهم في تنورين التحالف معه، إذ تآكل نصفه الأخر من معراب والرابية غداة دخولهم الحياة السياسية.

ــــ رابعاً، تعتبر بلدة تنورين صلة الوصل بين بشري وجبل لبنان. وتكتسب أهمية بالنسبة إلى حزب القوات اللبنانية الذي يسعى الى تكريس نفوذ قوي في هذه الجبال. وفي السابق، لم يكن ممكناً إحصاء وزن الوزير حرب والقوات، كل على حدة، بحكم تحالف قوى 14 آذار. لذلك دأب مناصرو الطرفين على الاندماج معاً، وسط حديث القواتيين عن خرقهم لآل حرب ونفي حرب الأمر. أما اليوم، فالفرصة سانحة لمعرفة الأحجام والفصل بين من هو «قوات أولاً وأخيراً»، ومن هو «حرب أولاً وقوات ثانياً».