إنتخابات الرئاسة لم تعد أولوية بعد تلاقي «القوات» و«التيار العوني» على تقديم قانون الإنتخابات عليها
مقاطعة الجلسة التشريعية تشجّع تعميم المقاطعة على مجلس الوزراء وغيره
تعطيل «التيار العوني المستمر لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية بالتكاتف مع حليف «حزب الله» يندرج بمسار تعطيل كل المؤسسات..
ما تزال مسألة إعلان كتلتي «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» بمقاطعة جلسة المجلس النيابي التشريعية المرتقبة بعد غد الخميس إذا لم يؤخذ بمطلبهما إدراج مشروع قانون الانتخابات النيابية على جدول أعمالها تتفاعل وتؤشر إلى مراكمة إرباكات إضافية على الواقع السياسي المأزوم وتؤشر إلى تصدعات في تحالفات الطرفين مع الأطراف الآخرين بعدما حشرا نفسيهما بموقف المقاطعة سلفاً تحت هذا العنوان ولم تنفع كل المحاولات المبذولة لثنيهما عن هذا الموقف في ظل استحالة الاستجابة لما يطالبان فيه حالياً لاستمرار الخلافات الحادّة بين الأطراف السياسية المؤثرة حول مشروع قانون الانتخابات الجديد وطرح أكثر من مشروع بهذا الخصوص وعدم ملاءمة الأوضاع السائدة حالياً للخوض فيه أيضاً.
وإذا كان التذرع بعدم إدراج مشروع قانون الانتخابات الجديد لمقاطعة جلسة المجلس النيابي من قبل الكتلتين المذكورتين والتشبث بهذا المطلب بالرغم من كل الشروحات والمناشدات للتحسس بأهمية البنود المطروحة الأخرى إنمائياً ومعيشياً ومالياً وغيرها، فإن هذا السبب المعلن لا يقنع الأطراف الآخرين وخصوصاً حلفاء الطرفين على اختلافهم السياسي وتباين وجهات نظرهم ومواقفهم تجاه قضايا أساسية ومهمة أخرى، بعدما وصلت الأمور إلى حدّ تُهدّد وجود وكيان الدولة ككل في ظل استمرار الفراغ الرئاسي والشلل الذي يلف عمل الحكومة ككل بفعل التعطيل المتعمد لجلساتها من قبل تحالف «حزب الله» و«التيار العوني».
فموقف «التيار العوني» من مقاطعة جلسات المجلس النيابي والحكومة معاً وقبلها التعطيل المستمر لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية بالتكاتف مع حليفه «حزب الله»، ليس مستغرباً ويندرج أساساً في المسار السياسي العام للتيار المرتكز على تعطيل كل المؤسسات في حال لم تتم الاستجابة لمطالب التيار أو زعيمه ومعظمها كان شخصياً أو عائلياً منذ تبوئه العمل السياسي في نهاية العام 2005 وحتى اليوم، أما موقف «القوات اللبنانية» بهذا الخصوص فهو مستغرب ومستجد لأنه لا يتماشى مع النهج والسياسة التي اعتمدتها ويتعارض مع تفاهماتها مع حلفائها في إطار الحرص على عمل المؤسسات الدستورية وانتظام مسيرة الدولة ولو بالحد الأدنى في ظل الظروف الصعبة والمعقّدة التي يمر بها لبنان حالياً.
فالشروحات والذرائع التي قدمها رئيسها د. سمير جعجع في مؤتمره الصحافي وإطلالاته الإعلامية المتواصلة لتبرير موقف القوات من مقاطعة جلسة المجلس النيابي التشريعية وتقديمه مسألة إدراج مشروع قانون الانتخابات النيابية الجديد على ما عداه من مشاريع وقضايا ملحّة أخرى، يعني بشكل أو بآخر تقديمه هذا الموضوع على مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية ولو بشكل غير مباشر، بينما المطلوب هو عكس ذلك تماماً، لأن هذا يتعارض كلياً مع مواقف القوات السابقة بهذا الخصوص وما ترشح جعجع على أساسه ويزيد من تباعده مع حلفائه، كون هذا الموقف المستجد سيشكل حافزاً مشجعاً للتيار العوني وحليفه «حزب الله» للمضي قدماً في مقاطعة جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية، في حين يعلم القاصي والداني أن السبب الأساس في تأزم الواقع السياسي وتراكم المشاكل القائمة والشلل الذي يلف المؤسسات الدستورية والإدارات العامة وتآكل هيبة الدولة وتراجع قدرتها سببه عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية بفعل سياسة التعطيل المتعمد لجلسات الانتخاب بحجة عدم تأييد الأغلبية لانتخاب النائب ميشال عون لهذا المنصب ولو ظاهرياً من بعض حلفائه حتى الآن.
ولا شك أن تلاقي موقف «التيار العوني» و«القوات اللبنانية» في مقاطعة جلسة مجلس النواب التشريعية لن يبقى محصوراً بهذه الحدود وقد يتعداه أيضاً لتشجيع الاستمرار في تعطيل جلسات الحكومة أيضاً من قبل «التيار العوني» وجلسات انتخاب الرئيس كما هو ظاهر حتى الآن.
فكل الحجج والذرائع التي قدمها جعجع والقوات لتبرير تلاقي موقفهما مع «التيار العوني» من هذه المقاطعة تحت عنوان عدم إدراج قانون الانتخابات على جدول أعمال الجلسة لم تقنع الآخرين وخصوصاً حلفاء الطرفين معاً، كون هذا الموضوع وبالرغم من أهميته في انتظام الحياة السياسية العامة والمسار العام للدولة، إلا أن الخوض فيه بهذا الشكل في ظل الاختلاف القائم حول مسألة تفلّت سلاح «حزب الله» من كل الضوابط واستمرار الفراغ الرئاسي على حاله يعطي الانطباع بأن هناك تسابقاً بين الطرفين لاسترضاء قواعدهما الشعبية في خصوصه ومطامح بتحسين مستوی تمثيلهما في المجلس النيابي المقبل أكثر مما هي في المجلس الحالي، في حين أن مثل هذه الطموحات قد تصطدم بكثير من العوائق والصعوبات التي تجعل من تحقيقها أمراً يخالف التوقعات.
يبقى أن خطوات التنسيق والتلاقي بين «التيار العوني» و«القوات» في المواقف مسألة ذات تأثير، إن كان على الساحة المسيحية تحديداً، أو في الشؤون الوطنية الأخرى، وكان الأجدى لو أن هذا الأمر تم توظيفه من قبل الطرفين معاً إن كان في ورقة التفاهم أو غيرها بالنسبة للاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية ووضع هذه المسألة في أولويات هذا التقارب بين الطرفين وقبل كل شيء نظراً لأهمية تحقيق هذا الإنجاز في الحفاظ على المركز الماروني الاول في الدولة اللبنانية والحفاظ على مستقبل لبنان وطن العيش المشترك لكل اللبنانيين والذهاب معاً إلى بكركي لإبلاغ البطريرك الماروني بهذا الاتفاق التاريخي المهم، وليس بالتلاقي على مقاطعة جلسة المجلس النيابي بحجة عدم ادراج مشروع قانون الانتخابات الجديد على جدول أعماله. ومن خلال ذلك كان تمّ تجاوز كل ما يثار حول مسألة الميثاقية وغيرها وتجنب تصميم المقاطعة بالتنسيق والتعاون بين «التيار العوني و«القوات» على باقي المؤسسات.