لم يكن كثر من سنّة قضاء صور ليحلمون بأكثر من دعوة الرئيس سعد الحريري إلى مقاطعة الانتخابات النيابية كي يحجبوا أصواتهم عن مرشحي حزب الله وحركة أمل، بعضهم تصفية لحسابات طائفية ومناطقية وسياسية، وآخرون لعدم وجود مقعد للطائفة إلى جانب المقاعد الشيعية الستة والمقعد الكاثوليكي، فيما يجهر سنّة المدينة وقضاء الزهراني بـ«الولاء» لأمل
في ما يُعرف بـ «قرى الشعب» الحدودية (يارين والضهيرة ومروحين والبستان وأم التوت والزلوطية) هدوء يبدو مبالغاً فيه. تلتزم هذه القرى، إلى حد كبير، النأي بالنفس الانتخابي، للأسباب الشائعة لدى اللبنانيين عموماً ولدواعٍ خاصة بها، رغم استضافتها مرشحين على لائحة الثنائي وقوى الاعتراض. لا صور هنا ولا يافطات، علماً أنها قلّما فعلت ذلك في الدورات الماضية، مكتفية في مواسم الانتخابات بصور جمال عبد الناصر ورفيق وسعد الحريري، وفي المناسبات بلافتات دينية للجماعة الإسلامية ويافطات شكر لمجلس الجنوب أو الإمارات والسعودية على مشروع أم دعم.
يجزم منسق تيار المستقبل في قرى الشعب آندي حمادي بأن القاعدة الحريرية، وهي الأكبر بين أبنائها، «قرّرت المقاطعة التزاماً باعتكاف الحريري، وهو ما ستظهره نسب الاقتراع». لكنه يقرّ بأن للبعض ارتباطات بحزب الله وحركة أمل «وقد اعتادوا التصويت لهما. وهو ما سيفعلونه في هذه الانتخابات، لا سيما في يارين الأكبر سكانياً» بين القرى الست.
المقاطعة طارئة على أبناء الشعب. قبل الحرب الأهلية، صوّتوا للمرشحين المدعومين من آل الأسعد. قبل التحرير عام 2000 وبعده، ناصرت غالبيتهم أمل وحزب الله. في السنوات الأخيرة، لم يتأثر التصويت لأمل بالانقسام الطائفي والسياسي. يوضح حمادي: «قبل القانون الحالي، كان الناخبون يصوّتون لنواب الحركة وللمعارضة الشيعية من دون أن ينتخبوا حزب الله. في الدورة الماضية التي جرت وفق القانون الحالي، امتنع كثيرون عن التصويت أو صوّتوا للمعارضة بعدما انضوى الثنائي في لائحة واحدة، فيما لم نشتغل، كمستقبليين، في الانتخابات». وعليه، يتوقع ابن بلدة يارين «مقاطعة بنسبة 80 في المئة ومن سيصوّتون سيفعلون ذلك لأسباب خاصة بهم كالمصالح والصداقات».
في المقابل، أجواء الجماعة الإسلامية، الأكثر حضوراً في مروحين، تلمّح إلى أن مناصريها سيصوّتون للوائح الاعتراض على غرار موقفها في الدوائر الأخرى. فيما لا تبدو هذه القرى بعيدة عن التجاذب السني – السني حول الموقف من الانتخابات. بدر عبيد، ابن مروحين والفاعل في «تجمع العشائر العربية»، دعا سنة صور إلى «المشاركة الكثيفة والفاعلة في الاستحقاق الوطني والديموقراطي التزاماً بدعوة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان لعدم المقاطعة والانكفاء السني». ولكن لمن؟ يجيب: «تجمع العشائر ليس تنظيماً حتى الآن ليوجه الأصوات في اتجاه معين».
لكن، ميدانياً، لا يمكن الجزم بشيء. رغم الحساسية المذهبية والسياسية، تتغلب في كثير من الأحوال اعتبارات العيش والمصالح والخدمات المشتركة. أرقام 2018، تكشف حضوراً وازناً لمرشحي حزب الله على غرار مرشحي أمل. من أصل 6254 ناخباً في القرى الست، اقترع 1574 للائحة «الأمل والوفاء». يارين منحت 766 صوتاً تفضيلياً لمرشح الحزب نواف الموسوي و609 أصوات لمرشحة أمل عناية عز الدين. في المقابل، تقر ماكينات الثنائي بأن الأرقام تتناقص، دورة بعد أخرى، رغم ازدياد عدد السكان. بعد التحرير، علت المقاومة على المذهبية والخلافات السياسية، ونال الحزب في هذه القرى، في الانتخابات النيابية التي أجريت بعد أربعة أشهر، نحو 77 في المئة من الأصوات، نتيجة «رهجة» التحرير، وأيضاً تحالف حزب الله مع بهية الحريري يومها. إلا أن الحريري وتيارها لعبا، لاحقاً، دوراً رئيسياً في تقوقع أهل المنطقة، ما تجلى في مقاطعة وازنة في انتخابات 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم بحذر بعد أحداث 7 أيار 2008. وكان لرئيس بلدية يارين سابقاً ومستشار سعد الحريري لاحقاً، حسين الوجه، دور رئيسي في شد العصب مع عدد من المشايخ.
«قرى الشعب» الست إلى المقاطعة التزاماً بقرار الحريري أم نكاية بحزب الله؟
في السنوات الأخيرة، بذل الحزب جهداً إضافياً لاسترضاء أهل القرى التي عاد 15 في المئة من أبنائها للإقامة فيها بعد التحرير. مشاريع وخدمات ومساعدات انعكست تحالفات في الانتخابات البلدية عام 2016، عندما جمعت لوائح واحدة مرشحين محسوبين على سرايا المقاومة والمستقبل والجماعة. أما أمل فلا تحتاج إلى كثير من الجهد. إلى جانب الود الدائم بين الرئيس نبيه بري وآل الحريري، بنى مجلس الجنوب مدارس وطرقات وحفر آبار مياه ووزّعت مؤسسة الريجي تراخيص زراعة التبغ (…).
صور والزهراني
الولاء السني الخالص لأمل يظهر جلياً في مدينة صور التي يبلغ عدد ناخبيها السنة حوالي 4 آلاف، اقترع منهم 1300 عام 2018. غالبية أصواتهم التفضيلية صبّت لمصلحة مرشحي الحركة. المشهد نفسه تكرر بين المجنّسين في البرج الشمالي وشبريحا. وفي تطور ملحوظ، غيّرت بلدة البرغلية هواها إلى الحزب، بعد انتساب كثير من أبنائها إلى السرايا.
في الزهراني، لا يتجاوز عدد الناخبين السنة الـ 2000، يتوزّعون بين قرى عرب الجل وعرب طبايا وضيعة العرب والبابلية. غالبيتهم تدور في فلك أمل لاعتبارات وظيفية وخدماتية رعاها التحالف الدائم بين بري و«الست بهية»، ولم يكن مكتب بري في المصيلح يوماً أقل أهمية لهم من مكتب الحريري في مجدليون. قبل أيام، استقبل رئيس حركة أمل في المصيلح وفداً من عشيرة الكريدين العربية التي تتوزّع بين المصيلح والوزاني، أعلن ولاء العشيرة للوائح «الأمل والوفاء».