IMLebanon

ثرثارون

  

لعلّنا نبالغ قليلاً عندما نزعم أن من «مباهج» العطلة الارتياح من هذا الكم الهائل من الكلام الذي ينهمر علينا طوال الأيام والأسابيع والأشهر وكأننا برج بابل حديث فيرطن من يرطن، ويثرثر من يثرثر ويلتلت من يلتلت. لدرجة أننا بتنا وكأننا في «حمام مقطوعة مياهه».

 

إنه زمن الثرثرة!.. الحكي للحكي!..

 

ينطقون بما يخطر في البال ويطلع على اللسان. وأحياناً كثيرة يتحدثون (خصوصاً جماعات الصف الثاني) بما لا يفقهون كنهه ولا يدركون جوهره، لأنه «كُتب» لهم وطلب منهم أن ينطقوا به.

 

إنه زمن الحكي بإمتياز… وليتهم يفعلون بنذر يسير ممّا يقولون. ثم ليتهم يخففون هذه الأحقاد والضغائن والكراهية التي تغلّف كلامهم بما يشكل وقوداً للأتباع من «الرعايا» ليضرموا نيران  الجهل خصوصاً عبر وسائط التواصل الاجتماعي التي باتت «تنوء» بما يحمّلونها من آثام الكلام!

 

كنا لا نزال في الجامعة عندما انتهى عهد الرئيس المرحوم الأمير فؤاد شهاب الذي أعطى  درساً في عظمة الصمت، وعدم الثرثرة، والتمنع عن نطق الكلمة إلاّ في موقعها حيث تقع حفراً وتنزيلاً… علماً أنه قلّما كان يقولها… ولم يُعرف عنه في العقد من السنوات التي أعقبت نهاية عهده حتى رحيله رافضاً التمديد الذي قدّم إليه على طبق من ذهب… لم يُعرف عنه أنّه أدلى بتصريح واحد… بإستثناء ذلك البيان الشهير من بضعة أسطر الذي حذّر ممّا وقع لبنان فيه لاحقاً! ولعلّ صمت فؤاد شهاب زاد من مهابته والهالة التي أحاطت به.

 

وقبل فؤاد شهاب كان رئيس الجمهورية المرحوم كميل شمعون يتحدث مرّتين في السنة الأولى في عيد سيدة التلّة شفيعة دير القمر والثانية في عيد الاستقلال. مع أن شمعون كان بارعاً لمّاعاً في الكلام.

 

وعرفت الرئيس المرحوم تقي الدين الصلح الذي كان لا يلفظ الكلمة إلاّ بعد أن يدرسها مطولاً، خصوصاً بعد أن يدونها على ورقة… وعندما ترأس الحكومة في عهد الرئيس سليمان فرنجية كان يكتب ما يريد أن يرد به على أي مداخلة أو ملاحظة نيابية حتى ولو كان ردّه جملةً مفيدة واحدة  من بضع كلمات.

 

وأمّا الرئيس المرحوم سليمان فرنجية فكان مقلاً في كلامه، وحتى خلال نيابته… وأذكر أنه كان يتكلمّ في المجلس النيابي، مرّة واحدة في السنة، في جلسة  مناقشة الموازنة العامّة، فيعد دراسة جدّية يُشرف عليها الوزير الياس سابا، وتستغرق تلاوتها نحو ساعتين… ولكنهما ساعتان «رهيبتان» يصح القول في جوّهها: «زت الإبرة بتسمع رنّتها».

 

انطلاقاً مّما تقدّم أعلاه أود أن أرّحب بما اتفق عليه القوم في جلسة مجلس الوزراء أمس، بأن «يُعيّدوا» عن الكلام  على حدّ ما قاله وزير المال علي حسن خليل.

 

وعساهم يلتزمون… فيرتاحون ويريحون، ولو لأيام ثلاثة! خصوصاً أن «الصمت أجمل فنون الكلام».