لا ندري ماذا يعني بعد للبنانيين أي كلام عن موجات الاحتواء السياسية التي تواكب أحداثاً أمنية سرعان ما تنحسر مع نهاية الحداد الرسمي على الضحايا لنعود الى دوامة الفراغ الذي ينهش الجمهورية؟ لن نغرق أكثر في تداعيات التفجير الذي ضرب برج البراجنة، خصوصاً أن اللبنانيين لا تعوزهم التجربة لتجنّب النوم على حرير الآتي المحتمل من استهدافات إضافية حتى لو أبلت الأجهزة الأمنية بلاء حسناً في كشف الشبكات الاجرامية.
فما دام الإرهاب الداعشي لم يروع مجلس النواب الذي مضى في جلسته التشريعية الى الآخر، كما لم يتمكن من ترهيب المتحاورين ولو نقل مكان الحوار الى عين التينة، ترانا ندعي الحق في التساؤل لماذا لا تتّسع هذه الشجاعة الى الأقوى تأثيراً وتعبيراً في تحصين المناعة الداخلية للدولة والمؤسسات بما يشكل الردّ الحقيقي الحاسم على كل استهداف داعشي؟ أليست مفارقة عجيبة أن يمتلك الوسط النيابي بغالبيته الساحقة القدرة والإصرار على تمرير رزمة من عشرات المشاريع وسط تصاعد المواجهة مع الارهاب ولا يملك في المقابل أدنى إرادة مماثلة على تفعيل الحكومة مثلاً ولن نذهب الى أحلام عبثية أبعد؟
قد تملي هذه المفارقة الذهاب مزيداً من المساءلة حيال وقائع ذهبت “دهساً” باللحظة التفجيرية. ذلك أن “الهمّة” السياسية العالية التي ظللت جلسة تشريعية وانسحبت على مناخ سياسي يعد الناس بفائض من التعاطف لا يجب أن تنسي أحداً أكلافاً هائلة بلغت مليارات عدة إضافية من الدولارات في الاعتمادات المالية التي رتبها تشريع “على الواقف” الى حدود لم يسبق على الأرجح أن تجاوزها سابقاً أي تشريع جالس أو واقف. لقد مررت كل القوى السياسية التي شاركت في الجلسة هذه المأثرة التشريعية بلا رفة جفن تحت وطأة اللحظة الضاغطة سياسياً ومن ثم أمنياً على رغم الحجم المهول لانتهاكاتها القانونية والدستورية وتكلفتها الباهظة. وعلى أهمية إقرار المشاريع المالية والمصرفية ذات الصفة الدولية التي جنبت لبنان عزلة لا يحتملها، ترانا نتساءل كيف يمكن تبرير تلك التمريرة العاجلة للاعتمادات الداخلية من دون أي تصويب ونقاش ومنع الطعن فيها (على الأرجح) بتوافق شبه ساحق حل في ليل، ومن ثم العودة الى كلام إنشائي حول “تفعيل المؤسسات” والانتظام الحكومي لئلا نتوغل الى “الحرام الممنوع” المسمى انتخاب رئيس للجمهورية؟
لا يتملكنا الوهم بأن مجانين أبو بكر البغدادي اقتحموا برج البراجنة بأحزمتهم الناسفة للنيل من الطبقة السياسية اللبنانية التي كانت ملتئمة يومذاك بكامل النصاب التوافقي. ولكننا نود التوهم بأن شيئاً من الحياء على الأقل بات يحتم الإقلاع عن مهازل قتل الوقت حيث يراد له وحيث يعز تمديد الصفقات من أي نوع كانت.