قالها امس الرئيس فؤاد السنيورة صراحة في معرض تعليقه على انتخابات المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى، فاعتبر أن المسلمين في لبنان “اثبتوا انهم اهل مَدَنِيَّةٍ ودولة وصلابة وتماسك لا يتراجعون في مواجهة الضغوط ومحاولات الاختراق والتسلط والهيمنة والفرض والإملاء على مؤسساتهم الدينية والمدنية، وحيث نجح رهانهم على الدولة والنظام والقانون. وفي ذلك تأكيد لمسار الاعتدال والانفتاح وتحقيق التقدم على طريق النهوض الاسلامي وكمقدمة للنهوض الوطني”.
لم يشأ الرئيس السنيورة القول إن المسلمين في تجربتهم افضل من الآخرين، لكن الحقيقة في قلب الشاعر. وليس الهدف تحريضاً بالتأكيد بقدر ما هو قراءة في واقع مرير يعيشه المسيحيون مذ عادت قياداتهم التقليدية الى الواجهة والى التناحر في ما بينها، اذ يبدو ان المسيحيين، والموارنة تحديداً، لا يفيدهم إلا زمن الاضطهاد، ففي غياب ميشال عون (في المنفى الباريسي) وسمير جعجع (في السجن الافرادي)، كان النضال قائماً لرفض الوصاية ولبناء الدولة او للمحافظة على هيكلها، فلا يقع الوطن تحت جزمة الوصاية في انتظار ايام فضلى لإعادة البناء، وكان النضال مشتركاً، والرؤية شبه موحّدة.
لكن الواقع الاليم انه بمجرد انتهاء الوصاية، عادت حليمة الى عادتها القديمة، وعاد التنافس (المشروع اصلا) ليتحول صراعاً يعطل الدولة ويضرب مؤسساتها ويفرض فراغاً مقيتاً مميتاً.
وجاءت دعوة الرئيس السنيورة امس لتعرض هذا الواقع، اذ تمنى “ان تنتقل إيجابيات هذه العملية الديموقراطية في حصول الانتخاب بما يعزز التمسك بالتجربة الديموقراطية اللبنانية التنافسية لدى باقي الشركاء في الوطن، من اجل الإسراع في انتخاب رئيس جديد توافقي للجمهورية، يكون قوياً في مناقبيته وقدراته القيادية ورؤيويته وإيمانه بالإصلاح والنهوض ومقدرته على جمع اللبنانيين في مساحات مشتركة، بما ينهي حالة الشغور الخطيرة التي قاربت السنة حتى الآن”.
والفراغ القائم حالياً، والذي يتمدد في المؤسسات الرسمية، سببه “الاقوياء” على الساحة المسيحية، وربما اخطأ البطريرك الماروني عندما دعاهم ليحصر القرار بهم، أي ان يتم اختيار رئيس من بينهم، اذ ان الاربعة لن يصلوا بسبب الفيتو المتبادل في ما بينهم، ولن يسمحوا مجتمعين لمرشح خامس بالوصول الى سدة الرئاسة.
ما قاله الوزير جبران باسيل الاحد صحيح الى حد كبير برفضه اي قرار لا يراعي مصلحة المسيحيين، وتمسكه بمبدأ “ما هو ممنوع علينا ممنوع على غيرنا، وما هو مسموح لغيرنا مسموح لنا”. لكن المشكلة الكبرى لا تكمن لدى الآخرين الذين يحاولون، نعم يحاولون، قضم حصة المسيحيين، بل في خلاف المسيحيين انفسهم، وفي توزع قواهم، وازدياد تشرذمهم. فالشيعة متفقون على حصتهم، والسني الاقوى يحسم لمصلحته، اما التكتل الاقوى عند المسيحيين فلا يرقى الى جمع نصف عدد النواب المسيحيين، وبالتالي تكون اكثريته نسبية ويحتاج الى تحالف مسيحي اكبر ليبلغ مبتغاه.
أمام هذا الواقع نقول “برافو للمسلمين”.