IMLebanon

خرق الخطوط الحمر

 

تشابكت الخيوط أكثر فأكثر وازدادت اللعبة تعقيداً وتداخلت الساحات المتنقلة في ما بينها لدرجة انها أضحَت ساحة واحدة تخضع لشروط حرب واحدة، لكن الأهمّ تجاوز الخطوط الحمر على الساحتين اليمنية والسورية ما يؤشّر الى قرب تجاوز هذه الخطوط في لبنان ايضاً.

كان الجميع ينتظر اسابيع صعبة تفصل عن توقيع الاتفاق النهائي حول الملف النووي الايراني، لكنّ احداً لم يكن يعتقد انّ الاوضاع ستصِل الى هذا المستوى من الخطورة.

في اليمن لم يعد هنالك من قواعد او حدود للحرب القائمة، فالقصف طال عمق المناطق السكنية السعودية ما دفعَ في المقابل للشروع في مطاردة قادة الحوثيّين والمتحالفين معهم لاغتيالهم من خلال غارات جوية.

وفي سوريا كان المسار مشابهاً: أولاً من خلال إسقاط بصرى الشام، وثانياً من خلال إحكام المعارضين قبضتهم على كامل الحدود البرية الفاصلة مع الاردن في خطوة الهدف منها قطع خيط التواصل الرفيع الذي كان ما يزال يربط النظام السوري بالعرش الاردني، وثالثاً من خلال إسقاط جسر الشغور، المنطقة الاستراتيجية التي تطلّ على اللاذقية.

والأهمّ انّ كل ذلك حصل بمباركة اميركية حيث ظهرت صواريخ «التاو» الاميركية النوعية بيَد جبهة النصرة وبكميات وافرة. لكنّ واشنطن التي ساهمت في تعديل موازين القوى الميدانية، إنما تريد التمهيد الجيّد للتسوية السياسية لاحقاً التي تقوم على أساس تحجيم الجميع.

لذلك، رفضت واشنطن طلباً تركياً مُلحّاً بإنشاء منطقة حظر للطيران في شمال سوريا. ذلك انّ الادارة الاميركية التي أنجزت تفاهماً في العمق مع ايران لا تمانع في توزيع مناطق نفوذ داخل سوريا لمختلف القوى الاقليمية لكن وفق ضوابط سياسية صارمة ستظهر مع التسويات السياسية للمرحلة. فتركيا مثلاً متعطّشة لبسط نفوذها على الشمال السوري، وزيارة رئيس وزرائها أمس معبّرة في هذا الاتجاه.

وهنالك ايران والطريق البري ما بين طهران وجنوب لبنان، والذي يمثّل هدفاً حيوياً. وهنالك اسرائيل وشريطها الحدودي والاردن ايضاً، كما انّ هنالك الدولة السنية الناشئة والتي تجمع ما بين شرق سوريا وغرب العراق.

وواشنطن تريد لَي «أذرع» الجميع قبل الوصول الى هذه المرحلة. وفي اليمن ايضاً مارست واشنطن ضغوطاً على الرياض للقبول بهدنة تسمح بإدخال باخرة المساعدات الآتية من ايران. والأهمّ تلك المقررات التي ستصدر عن القمّة الاميركية الخليجية، بعد ان اتفق وزراء الخارجية على خطوطها العريضة.

فعَدا التفاهمات الجيوسياسية التي مهّدت للاتفاق النووي الاميركي – الايراني هنالك الشق الاقتصادي والمتعلّق بالاستثمارات الهائلة لبلد غنيّ ومتعطّش لكلّ انواع الاستثمارات الكفيلة بتحريك العجلة الاقتصادية الاميركية.

لكنّ المكسب الاميركي لا يقتصر هنا فقط، ذلك انّ جون كيري تحدث عن مفهوم أمني جديد في الخليج. ذلك انّ حماية الخليج من التهديدات الايرانية، حسب ما تدّعيه واشنطن، سيكون بحاجة لصفقات شراء أسلحة أميركية بعشرات مليارات الدولارات.

وليس هذا فقط بل انّ مفهوم الوجود العسكري الاميركي في المنطقة، والذي قام سابقاً على مفاهيم ظرفية ومؤقتة، سيكون مختلفاً من خلال بناء قواعد عسكرية جديدة تتولى دول الخليج تمويلها بالكامل، وهي مسؤولة عن الإمساك بكافة المحاور الامنية لهذه الدول على أساس محاربة الارهاب بكافة أشكاله.

والواضح انّ واشنطن تركت نافذة مفتوحة لفرنسا لكي تستفيد مصانعها العسكرية من صفقات التسليح طالما انّ باريس لم تنجح لعدة أسباب من أخذ مساحة واسعة من الاستثمارات في ايران.

وفي القمّة الاميركية – الخليجية سيحاول الرئيس الاميركي الدفع باتجاه إرساء القواعد المطلوبة للمفاوضات السعودية – الايرانية لاحقاً، والتي ما تزال مقفلة بإحكام حتى الآن. وبانتظار ذلك، يظلّ التصعيد المجنون سيّد الساحات.

واجتياز الخطوط الحمر في اليمن والسعودية ينذر بإسقاط الخطوط الحمر الهَشّة الموضوعة في لبنان وفق المبدأ الميداني القائم على تلازم الساحات. اي انّ الحكومة اللبنانية أصبحت في عين العاصفة، مع الاشارة الى انّ العماد ميشال عون سيباشر بدءاً من يوم الثلثاء المقبل حملته التصاعدية ضدها وصولاً الى تعطيلها تماماً كما جرى الاتفاق حوله في لقائه الاخير مع أمين عام حزب الله. والخط الأحمر الثاني المعرّض للخرق هو أمنيّ ويتعلق بالاغتيالات واستهداف الرموز.

فعلى مقربة من لبنان تدور معارك عنيفة في جرود القلمون، وهي حرب لا يمكن لحزب الله الهروب منها طالما انّ الترتيبات الميدانية جارية في سوريا لترجمتها لاحقاً في التسويات والمعادلات السياسية. قيل انّ الاطلالة الاخيرة للسيّد حسن نصرالله كان من المفترض أن تأتي بعَيد انطلاق «معركة تحرير القلمون».

لكنّ ذلك لم يحصل، وبَدل الحرب الشاملة ينفّذ حزب الله معركته وفق استراتيجية القَضم. نجحت قوّاته وفرَق الجيش السوري في تقسيم المنطقة، وباشرت تنفيذ خطة القَضم المتدرّج، وقد يكون السبب ليس فقط تخفيض الخسائر الى الحد الأدنى الممكن، لكن ايضاً لأنّ المجموعات المسلحة رفضت الانسحاب من المنطقة تحت ضغط الحرب النفسية التي جرت، وعلى رغم فتح ممرّات لها (من الزبداني الى درعا)، ما يعني انّ الأوامر هي بالقتال المستميت وحتى النهاية. وهذا يؤشّر الى نيّة باستعمال كافة الاوراق، ومنها الورقة الامنية في لبنان، بهدف تشتيت التركيز وتخفيف الضغط.

لذلك، وضعت الرقابة الامنية اللبنانية في حال استنفار قصوى وتركّزت خصوصاً على بعض المخيّمات الفلسطينية والتي بَدت مريبة في الفترة الاخيرة، وهذا الواقع يزيد من مخاوف احتمالات حصول اغتيالات في هذه المرحلة الاقليمية المفتوحة على كافة انواع التصعيد. باختصار، الاستقرار السياسي (الحكومة) والأمني (الاغتيالات) مهددان.