Site icon IMLebanon

“الرغيف” حجة لمراكمة الثروات على حساب الفقير

 

فوائد الدعم تذهب لكارتيل الإستيراد والأفران ولا يصل للمستهلك “من الجمل إلا أذنه”

 

نسبة كبيرة من المازوت والقمح المدعومَين تذهب لصناعة منتجات غير مشمولة بالدعم

عادة ما تقابَل الاجراءات الإقتصادية الجذرية بكثير من الاتهامات الشعبوية. رفع الدعم عن السلع والخدمات واحد من أبرز الامثلة على ذلك. صحيح ان هم المستهلك ينحصر في رغبته بدفع أقل ثمن مقابل أفضل جودة. لكن هل يحقق الدعم ذلك؟ إن كان الجواب نعم! فلمصلحة من؟ وبأي جودة؟ ولكم من الوقت؟

 

 

تتداول وسائل التواصل الاجتماعي فيديو جديداً يظهر اعتراض مجموعة من الشبان، قيل انهم ثوار بحمدون، يفرغون شاحنة محملة بأكياس الطحين متوجهة إلى سوريا. الفيديو القصير يظهر بوضوح نقمة عارمة على تهريب الطحين، في الوقت الذي “نموت فيه من الجوع”. بغض النظر عن الدافع، فإن السبب الاول لاستمرار حرمان الأسواق المحلية من المنتجات الغذائية والنفطية، هو استمرار الدعم غير المنطقي.

 

المستهلك غير مستفيد

 

تهريب جزء كبير من المنتجات المدعومة إلى سوريا نتيجة الدعم أصبح ظاهراً كعين الشمس، وإن اختلفت تقديرات الكمّيات المهربة. إنما الذي ما زال مجهولاً أو بالاصح “يجهّل” هو عدم استفادة المستهلك اللبناني من الدعم كما يسوّق. وفي ما خص القمح تحديداً، فان “الدعم يصب في خانة “الكارتيل” المستورد للمادة وليس المستهلك”، تقول نائبة رئيس “جمعية المستهلك” ندى نعمة.

 

دعم الرغيف لم يتوقف يوماً. وكان كلما تغير سعر القمح عالمياً تتدخل الدولة بدعم الطحين، لصالح مطاحن تعد على أصابع اليد الواحدة. أما الحجّة فكانت الابقاء على سعر ربطة الخبز 1500 ليرة. إلا انه بعد دفع مليارات الدولارات، كانت النتيجة تذبذب وزن ربطة الخبز من 1500 غرام إلى 1120 غراماً من ثم 1000 غرام وصولاً اليوم إلى 900 غرام أو حتى أقل.

 

التهديد بالرغيف لاستمرار النزيف

 

بعد صولات وجولات من دعم كانت تتراوح قيمته بين 10 و 15 الف ليرة للطن، أصبح اليوم بحسب نقيب مستوردي القمح احمد حطيط “مئة الف ليرة”. لكن برأي النقيب، “إذا رُفع الدعم، فسيصبح (سعر الطن) حوالى مليوني ليرة. وسعر ربطة الخبز أكثر من 3000 ليرة لبنانية، وقد يصل إلى 6 آلاف ليرة”.

 

جمعية حماية المستهلك أشارت إلى انه ليس بالضرورة ان يرتفع سعر ربطة الخبز كما يهولون للإبقاء على الدعم. وبناء على دراسات أجرتها اظهرت ان من استفاد من الدعم طيلة السنوات الماضية كانت المطاحن ومن ورائها الافران. فيما لم يصل للمستهلك من الجمل أذنه. “فحقق المستوردون والأفران ثروات على حساب رغيف الخبز. في حين كانت تتدنى نوعية الطحين ويتناقص وزن ربطة الخبز” تقول نعمة.

 

الدعم العشوائي

 

باستثناء ربطة الخبز “اليتيمة” زنة 900 غرام، فان دعم المازوت والقمح للافران يصب في مصلحة عشرات إن لم يكن مئات الاصناف الأخرى التي تنتجها. وبحسب الاحصاءات فانه من أصل استيراد بقيمة 150 مليون دولار من القمح، يستخدم 20 مليون دولار من الطحين لصناعة خبز الباغيت وأصناف من الكعك.

 

الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين يذهب أبعد من ذلك ويعتبر ان “من يتقاضى الحد الأدنى للأجور يشتري ربطة الخبز بـ 1500 ليرة، ومن يبلغ راتبه 10 ملايين يشتريها أيضاً بنفس القيمة. وهو ما يدل على ان هذا الدعم عشوائي. ومن غير المقبول ان يبقى مستمراً بهذه الطريقة”.

 

احتساب المبالغ التي تذهب على دعم المشتقات النفطية والقمح والكهرباء يظهر ان “الكلفة السنوية التي تتحملها الدولة تفوق 8 آلاف مليار ليرة”، يقول شمس الدين. “وهو رقم هائل حتى إذا استثنينا الانهيار الاقتصادي والنقص الكبير في احتياطي المصرف المركزي”.

 

الحل بالإنتاج والدعم المباشر

 

تقنين الدعم وتوجيهه إلى المحتاجين هو الحل بدلاً من الدعم الشامل الذي يتقاسم فوائده كارتيل الاستيراد ومافيا التهريب. وبحسب شمس الدين فان اصدار بطاقات خاصة بالأسر المحتاجة بقيمة الدعم الذي يذهب الى التجار قد يكون حلاً منطقياً لمواجهة هذا الانفلات.

 

جمعية المستهلك التي تعارض تاريخياً مسألة الدعم العشوائي تعتبر بحسب نعمة ان “استمرار هذا الدعم يستنزف الاحتياطي ويصب في مصلحة الفاسدين والمحتكرين. وقد نصل بعد أشهر قليلة إلى انتهاء الاحتياطي”. وبالتالي فان الخلاص برأي نعمة هو في “الاعتماد على الانتاج الذاتي وتأمين بدائل الاستيراد وتحديداً في موضوع القمح. إذ انه مهما بلغت كلفة الزراعة تبقى اوفر بكثير من قيمة الاستيراد. خصوصاً في ظل انخفاض قيمة العملة مقابل الدولار. أما في حال استمرار دعم بعض السلع فيجب فتح متاجر متخصصة ببيعها أو تنفيذ نظام تتبع للبضائع. وهو ما يضبط تهريبها، يحد من الاحتكار ويفيد المستهلكين