IMLebanon

بين “تقنين” الدعم على الطحين وترشيده: الكعك والمناقيش أول الضحايا

 

جولة جديدة من الكباش انطلقت بين كارتيل “المطاحن والمخابز” وبين وزير الإقتصاد راوول نعمة من خلال “المنقوشة” والتلويح برفع سعرها. فالوزارة التي خسرت جولة سابقة واستسلمت للتهديد، مقابل الإبقاء على سعر ربطة الخبز ورفع وزنها تخوض اليوم مواجهة أخرى، قد تكون أقسى مع قرار بات حتمياً لدعم “الخبز العربي” دون غيره. والنتائج في أحسن الأحوال ستكون كارثية على الشعب الفقير، وقد أصبح يمثل الأغلبية.

منذ حوالى الشهر، وبعد فضيحة تخزين آلاف الأطنان من الطحين المقدّم كهبة من الحكومة العراقية في إطار المساعدات التي مُنِحَت للشعب اللبناني، نقل عن وزير الإقتصاد قوله “ما تجيبولنا طحين” متذرعاً بأن طحين المساعدات، سواء العراقي أو التركي، لا يدخل كلّه في صناعة الخبز العربي بل في صناعة الحلويات، وخبز الهمبرغر والكرواسان. فما الذي حصل لهبات الطحين التي قُدمت للبنان؟ أم أن آلية “إعطاء أصحاب الأفران 25% من هبة الطحين العراقي و75% من الطحين المدعوم لم تعد تشبع جشع الكارتيل؟ وهل إذا نفدت هبات الطحين ستعود قريباً نغمة رفع سعر الرغيف إلى الواجهة أيضاً؟

الشعب: سلاح وضحية

 

وبعدما تعارضت “هبات الطحين العراقي والتركي” مع منافع كارتيل المطاحن ومصلحة جيوب أصحابها، فجأة باتوا بأمس الحاجة لنسبة الـ 25% من الطحين العراقي الذي اشتكوا من أنه لا يدخل في صناعة الخبز العربي، كما يبدو أن الذي يحصل اليوم من ضغط ما هو إلا أول الغيث، فوزارة الإقتصاد “محشورة” بين مطرقة “عدم هدر إحتياطي المصرف المركزي” وسندان “مافيا المطاحن والأفران الكبرى” الذين لا مصلحة لهم في التخلي عن أرباحهم الهائلة لمصلحة الناس ولا تعنيهم المجاعة بل هي بالأحرى أداة ضغط مناسبة لهم للي ذراع الوزارة في ظلّ أسوأ أزمة اقتصادية ومعيشية تمرّ فيها البلاد.

 

من جهته أشار نقيب المطاحن والافران علي ابراهيم في أكثر من تصريحٍ صحافي الى أنه ونتيجة لقرار مفاجئ اتخذته وزارة الإقتصاد لدعم “طحين الخبز اللبناني” فقط دون غيره، لم تسلّم المطاحن كميات الطحين المعتادة للأفران، فالتعميم الذي وصلهم منذ أربعة أيام واضح جداً، والطحين غير المدعوم الذي يدخل في انتاج الكعك وخبز الهمبرغر والمناقيش (وهي تعدّ طعام إفطار الفقراء خصوصاً مناقيش الزعتر) وغيرها من المنتجات، ستصبح كلّها بالدولار الأميركي طبعاً وبطبيعة الحال وفق سعر الصرف في السوق السوداء والذي يشهد في الآونة الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً تخطى عتبة الـ8 آلاف ليرة. وأن تلك المنتجات سيرتفع سعرها تلقائياً إذ أنها لم تعد مدعومة. وشرح ابراهيم “أن حجم الإستهلاك اللبناني من الطحين المستخدم لإنتاج الخبز العربي يبلغ حوالى 27 الف طن وهو ما يعادل 37 الف طن من القمح، وهو الرقم الذي ستدعمه الوزارة فقط لا غير” وبرأيه “إن ترشيد الدعم بهذه الطريقة هو أمر غير منطقي ونتمنى من المسؤولين اعادة النظر في الخطوات المتخذة مع الأخذ بالاعتبار التأثير على المواطن، فبعد انهيار الليرة وغلاء سعر “الكورن فليكس” مثلاً، زاد الطلب على الكعك المحلي الذي يُخبز في لبنان، وهو من أهم المنتجات المدعومة وسعر الكيلو 9 آلاف ليرة مقابل سعر “الكورن فليكس الذي بات حوالى 40 ألفاً واليوم سيرتفع سعر الكعك أيضاً بهكذا إجراء، وترتفع سعر المنقوشة وخبز الهمبرغر من 4 آلاف إلى نحو 10 آلاف ليرة وهو ما لن يقوى على تحمله الشعب. ناهيك عن أن سياسة ترشيد الدعم بهذه الطريقة ستؤثر أول ما تؤثر على الأفران الصغيرة والمتوسطة الحجم”.

 

كل ذلك في ظلّ تأكيد مصادر وزارة الاقتصاد لـ”نداء الوطن”، أنّ ترشيد الدعم بات حتمياً في هذه المرحلة ولا يمكن للوزارة التنصل منه، وسيتم اتخاذه سواء اليوم أو بعد أسبوع، والبحث اليوم لم يعد في اتخاذ قرار برفع الدعم أو عدمه بل أن الإقتصاد في صرف المال صار واقعاً وما باليد حيلة، أما الحوار حالياً فيتمحور حول المواد الأساسية جداً و”اللازمة للبقاء” ولا يمكن التخلي عنها كالخبز اللبناني أو العربي، وكل ما تبقى من سلع تندرج تحت اسم الخبز كخبز الهمبرغر أو الكرواسان ستعتبر حالياً “ثانوية” وليست في سلّم أولويات الدعم. وبعيداً عن أي حديث عاطفي أجوف، هل فعلاً إن الطحين المستخدم للمناقيش هو نفس الطحين المستخدم للخبز العربي؟ وهل فعلاً إن المطاحن والأفران في لبنان هي الحلقة الأضعف؟ أم يتم التلاعب بلقمة عيش المواطن حتى بات الشعب سلاح الضغط على الوزارة والمصرف المركزي وهو في الحقيقة ليس سوى “الضحية”!

موسم استغلال!

 

ضغط المعتصمين من الشمال إلى بيروت، المنددين بالخيارات التي تتخذها حكومة تصريف الأعمال والتي تزيد من معاناة اللبناني الذي يعيش أسوأ ظروف اقتصادية واجتماعية ومعيشية “هو موسم استغلال وجع الناس وأزمة النظام السياسي المحاصصاتي” بهذه الكلمات يصف رئيس جمعية المستهلك زهير برو الوضع الحالي لـ”نداء الوطن” شارحاً أنه منذ سنوات طويلة تعتمد الدولة على طرح سياسات تمعن في ضخ الأموال في جيوب المافيات وتكشف قطاعات الإنتاج السلعي للإغراق الخارجي وتربط السلع المهمة من الدواء إلى المحروقات إلى الطحين بكارتيلات كبيرة ومعروفة. ويقول: “هناك مافياتان تتحكمان بهذه السلعة، أولاهما تلك المحسوبة على الوزارة أو كارتيل المطاحن وثانيتهما مافيا الأفران الكبيرة جداً أو ما يقال إنها “مافيا بعد الإستيراد”. فقد سيطرت على سوق الأفران أربعة أفران كبيرة دون الـ 300 البقية وهي “شمسين، مولان دور، وودن بايكري والأمراء” ومعروف منذ سنوات طويلة من هم الذين يحتكرون 12 مطحنة لاستيراد القمح، وهي مملوكة من أشخاص معدودين يمثلون “النموذج” أو “الوفاق الوطني” الموزع على التحاصص المناطقي الطائفي. فقد حصر استيراد القمح بـ 8 أو 9 أشخاص بالحد الأقصى بحجة “حماية الإنتاج الوطني” وهم: الأخوان شبارو ورسلان سنو وأحمد حطيط وأنطوان كرباج وجميل منصور وأحمد تفاحة ومحمد عسّاف”.

 

أرباح تتخطى المعقول

 

ويتابع: “منذ تولي وزير الإقتصاد راوول نعمة الوزارة، وهو يوحي للمتابعين بأنه يتحرّك بحذر شديد، كي لا تقع المواجهة بين الدولة واللادولة أو الوزارة والكارتيل، إلا أنه في أحيانٍ كثيرة، تركت اللادولة، المتحكّمة بالتهريب والسوق السوداء، تفعل ما تريد ولا بد من أن أشدد على أن كل ما يحصل اليوم ما هو الا تهويل، فعلى كارتيل المطاحن والأفران أن يخفض هامش ربحه الضخم بدل التلويح برفع الأسعار. فبحسب الأرقام الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) فإن سعر طن القمح الروسي المعتمد في الإستيراد يصل الى المرفأ بسعر 251 دولاراً، وهو رقم عالٍ جداً بعدما سجلت أسعار القمح ارتفاعاً على المستوى الدولي لتعكس بذلك الطلب العالمي المحتدم وسط تدني توافر الصادرات وضعف ظروف الزراعة لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2014 مدفوعة بارتفاع وتيرة الصادرات من الاتحاد الروسي وتراجع إمدادات التصدير من أوكرانيا. في حين يباع إلى الأفران بسعر مرتفع، ولو مدعوم، بين الـ 510 و550 ألف ليرة مع هامش ربح مرتفع كان يصل الى 90 دولاراً في الطن الواحد وهي أرباح خيالية لا تحصل في أي بلد آخر، فعالمياً تتراوح أرباح هذا القطاع بين 3 و5%، أما في لبنان فهي بين 30 و100%، والأسعار لا تعدل سوى الى الارتفاع طبعاً، فعند انخفاض أسعار القمح يبقى السعر كما هو، كل ذلك يشكل امتيازاً لا يريد هذا الكارتيل أن يفقده حتى بعد أن جمع ثروات هائلة من السنوات السابقة، أي قبل أزمة الدولار. أما بعد الأزمة، ومنذ اللحظة الأولى، اختار الكارتيل استنزاف الدولار بذريعة أنه “ما عادت توفّي معه”، فلا أحد مستعد أن يقتطع القليل من ربحه المعهود والعالي جداً. وعليه أنا شخصياً مع رفع الدعم “لأن مبلى بتوفّي معهم” فليخفضوا أرباحهم في ظل أزمة شح الدولار!”

 

ويتساءل برو “يجب ألّا تحصر وزارة الاقتصاد الدعم بالطحين الخاص بالخبز العربي بل أن تسحب حتى كل بساط الإستيراد من هذا الكارتيل الإحتكاري وتتولى بدورها الدولة عبر وزارة الزراعة الرسمية عملية استيراد القمح الطري بدلاً من هذه المطاحن، فأجود أنواع القمح الطري لن يكلف الدولة ما يكلفها الآن لا بل إن فاتورة القمح الطري قبل الطحن من الممكن أن تنخفض بشكل كبير وما لا يقل عن 700 مليون دولار سنوياً ولو كنا قمنا بذلك في السنوات الماضية لكنا وفرنا ما يقارب الـ21 مليار دولار ناهيك عن موضوع تحسين الجودة والنوعية”.

 

رفع الريغارات V/S رفع الدعم

 

بمعزل عن طبيعة الصراع القائم بين الوزارة والمطاحن، فإن الثوار أحسنوا وصف الوضع الحالي، عندما قالوا إننا بصدد الدخول في “عهد الجياع”. ففي خلال جولتنا الميدانية على الأفران الصغيرة المتخوفة على مصائرها بعد رفع الدعم، لفتنا قيام بعض الأشخاص المحتاجين برفع “ريغارات المجارير” في مناطق فردان، بشارة الخوري، قصقص، لبيع حديدها والإسترزاق منها! على أمل أن تقوم بلدية بيروت ووزارة الأشغال بما يلزم لمنع سرقة أغطية الحديد.