IMLebanon

“الجهاد الأكبر”… الإنتظار أمام الأفران للفوز بربطة

 

النازحون يشترون الخبز لبيعه في السوق السوداء

 

 

غطت أزمة الخبز على ما عداها من أزمات تحيط باللبنانيين وتشغل بالهم في هذا الصيف الحار المفتوح على عددٍ من الإحتمالات، وانشغل البقاعيون في تأمين الرغيف وسد جوعهم الذي يتفنن في نشره سياسيون لا يؤتمنون على حبة قمح، فكيف على مصير بلادٍ في قعر الانهيار وعلى شفير الموت؟

 

سقطت كل الموجبات وانتفت الأسباب التي تبقي الناس في منازلها راضيةً خانعة بعدما بات الجهاد الأكبر عندها هو الإنتظار ساعات طوال في طوابير للحصول على ربطة خبز، ومن العجب كيف لا تخرج الناس شاهرةً سيوفها في وجه منظومة أوصلتها إلى الجوع، وعبثاً يحاول من يتولون زمام الأزمة نقل المعاناة وتصويبها باتجاه آخر للتنصل من المسؤولية، في وقتٍ تحتاج الناس في هذه الظروف إلى صحوة ضمير تخفف عنها ما تعانيه، وتؤمن لها أبسط المقومات التي يحتاجها المواطن بصفته الإنسانية.

 

لليوم الخامس على التوالي تعيش مدينة بعلبك وجوارها، وعلى امتداد بلدات وقرى المحافظة أزمة رغيف شأنها كسائر المناطق اللبنانية، فالأفران مقفلة أمام الزبائن لعدم توافر الطحين، فيما افران الحطب تصنع خبز تنور فقط، غير أنها لا تلبي حاجات مدينة يفوق عدد سكانها مئة وخمسين ألف نسمة وتحتاج الى ثلاثة أفران لإمدادها بالخبز، غير أن المفارقة تبقى في مواظبة أحد الأفران ورغم أزمة الطحين على تصنيع الكعك والخبز الافرنجي وعدم صنع الخبز العادي، ما دفع الناس الى الاقبال على تلك المنتوجات لسد رمق جوع أطفالهم، وفي المقابل عادت بعض العائلات ومن لديها القدرة على شراء كيس طحين بثمن يفوق المليون ومئتين وخمسين ألفاً الى اعداد الخبز على الصاج.

 

وفي وقت عادت المطاحن الى العمل وتسلمت بعض الأفران جزءاً من الحصص المخصصة لها من الطحين، بدأ أحد الأفران بالعمل وحيداً لتوفير الخبز للناس، حيث اصطفت الطوابير أمامه منذ الساعة الثالثة صباحاً لتبدأ الاشكالات في سبيل الحصول على ربطة خبز، ومع توسع دائرة المهاترات والصراخ أمامه وتدافع المواطنين، أقفل أبوابه عند ساعات الظهر بعد نفاد الطحين لحين إمداده بالكميات المطلوبة، واللافت في هذا المشهد هو الكم الكبير من اعداد النازحين السوريين الذين كانوا ينتظرون دورهم للحصول على الخبز، علماً أن ما يقوم بإعداده الفرن (أفران نصرالله) الذي يقع وسط السوق التجاري لا يكاد يكفي سكان الأحياء المحيطة به. وفي هذا الإطار، اكد أحد المواطنين وهو ينتظر دوره لـ»نداء الوطن»: «إن المنافسة من النازحين وصلت الى رغيف الخبز، والأجدر بالدولة اللبنانية ووزارة الاقتصاد أن تؤمنا الخبز المدعوم للمواطن اللبناني وترفعاه عن النازحين الذين يتلقون المساعدات بالدولار. من حرّك الدورة الاقتصادية خلال فترة العيد هم السوريون، وكانوا يشترطون على الباعة التسعير وفق الدولار لا الليرة اللبنانية وعلى سعر الصرف، والكثير منهم يرسل ابناءه واقرباءه لشراء الخبز ليبيعه بعدها في السوق السوداء».

 

الأزمة الحاضرة اليوم يبدو أنها ستطول وسط غياب المعنيين والمسؤولين عن المنطقة، علماً ان أقل واجبهم أن يطالبوا بزيادة حصة المنطقة من الطحين للأفران لتتمكن من توفير حاجات الناس، كل ذلك دفع بالناس الى معاودة تحركاتها على الأرض حيث قطعت مجموعة من المحتجين مساء أمس الطريق عند ساحة ناصر بالاطارات المشتعلة وحاويات النفايات، احتجاجاً على عدم توفر الخبز والكهرباء والمياه، كذلك عقد مخاتير المدينة اجتماعاً وطالبوا «من هم في موقع المسؤولية بتحمل مسؤولياتهم تجاه مدينة بعلبك وأهلها، والعمل السريع على إيجاد الحلول الناجعة للمطالب الضرورية المحقة، والعمل عليها من قبل نواب المنطقة والوزراء المعنيين، من أجل تأمين وسائل لضخ المياه المتوفرة في آبار مصلحة المياه، وتأمين ساعات التغذية بالتيار الكهربائي بالتساوي مع القرى والبلدات المجاورة التي تتغذى به على حساب المدينة وأهاليها، وزيادة حصة أفران ومخابز مدينة بعلبك من مادة الطحين أسوة بكافة المناطق اللبنانية الأخرى، معلنين المواجهة في وجه كل من يعنيهم الأمر، لأن الكيل قد طفح والجوع كافر ولا دين له ولا طائفة ولا مذهب ولا مسؤول ولا معني له، وإذا لم تتحقق مطالب أهالي المدينة على وجه السرعة، فسيكون لمخاتير المدينة مواقف تصعيدية يُعلن عنها في حينه».

 

إلى جانب أزمة الخبز والكهرباء والمياه، تلوح أزمة النفايات التي تتكدس في شوارع مدينة بعلبك وعلى أرصفتها في الأفق، بسبب إستمرار عمال النظافة في البلدية باضرابهم بعد تدهور أوضاعهم المعيشية وتدني رواتبهم التي لا تكفيهم ثمن الخبز، الأمر الذي يتطلب حلاً سريعاً والناس في عز الصيف والحرارة المرتفعة ما يؤدي الى انتشار الروائح الكريهة وخلفها الأمراض في هذا الوقت العصيب.