دخل مسلسل «أزمة القمح»، المتواصل منذ أشهر، فصلاً جديداً من فصوله، ولكن هذه المرة من باب الضغط الذي تمارسه المطاحن ومستوردو القمح على مصرف لبنان لدفع ثمن القمح المستورد. وخلافاً للمرات السابقة، يتميز «السيناريو» الجديد هذه المرة، بخطر انقطاع الخبز وذلك رغم توافر القمح وبكميات تكفي لثلاثة أو أربعة أسابيع كحد أقصى!
فتح مصرف لبنان الأسبوع الماضي الاعتمادات لأربع بواخر قمح كفيلة بأن تؤمن مخزوناً يكفي ما بين 20 إلى25 يوماً. المشكلة تكمن في أن حمولة هذه البواخر ذهبت إلى قسم من المطاحن دون غيرها، فيما تنتظر باقي المطاحن فتح الاعتمادات لأربع بواخر أخرى. إذاً، بكلام آخر، هناك مطاحن تملك طحيناً مدعوماً، وأخرى تملك طحيناً لكنها تنتظر دعمه.
في انتظار مجلس الوزراء
يؤكد رئيس نقابة أصحاب المطاحن أحمد حطيط أن «المعلومات عن أن البواخر الأربع التي حُوّلت لها الأموال أمّنت كميات من القمح تكفي ما بين 20 إلى 25 يوماً صحيح. لكن حمولة هذه البواخر تغطي حاجة المطاحن التي استوردتها طوال هذه المدة، وليس كامل حاجة السوق اللبنانية. فلا يوجد مطحنة باستطاعتها أن تحلّ مكان مطحنة أخرى، أو قادرة على مضاعفة إنتاجها لتغطية النقص في السوق». وبحسب المدير العام للحبوب والشمندر السكّري، جريس برباري، «لا يمكن أن نطلب من مطحنة أن تزيد إنتاجها بشكل كبير. وإذا كان هناك مطاحن تعمل ومطاحن لا تعمل، فالكميات المتوافرة بالتالي لا تكفي لتغطية المدة التي يفترض أن تغطيها عادة في حال كانت المطاحن كلّها شغالة».
يلفت حطيط إلى أن وزير الاقتصاد أمين سلام «أبلغنا بأنه سيطرح على مجلس الوزراء في جلسة الغد زيادة الاعتمادات الخاصة بالقمح». لكن السؤال الكبير هو ما العمل حتى يوم الخميس؟ وخاصة أن «نصف المطاحن متوقّف عن العمل. ومطحنتي على سبيل المثال، تغطي 80% من حاجة الجنوب والضاحية الجنوبية، وهي متوقفة عن العمل منذ يوم السبت». ووفقاً له، فإن «وزير الاقتصاد قال صراحة إن أقصى ما يمكنه فعله هو طرح الموضوع على مجلس الوزراء». أما الحلول المتوافرة حتى الغد، بحسب برباري، فترتكز على «تحويل الأفران إلى المطاحن التي تعمل، والطلب من هذه الأخيرة زيادة إنتاجها قدر المستطاع، علماً بأن هناك باخرة نأمل أن يدفع لها مصرف لبنان الأموال اللازمة اليوم (أمس)، وهي قادرة على أن توفر القمح لأربع مطاحن لمدة 15 يوماً».
استجابة مصرف لبنان
وفي هذا الإطار، من يضمن ألّا تمتد الأزمة إلى ما بعد الخميس، في حال عدم استجابة مصرف لبنان لطلب الحكومة بالسداد فوراً. وبحسب المعنيين، هناك «تخوّف حاضر دائماً، بحكم التجارب السابقة، ألّا يستجيب مصرف لبنان بالسرعة الكافية وأن يحصل تأخير». حينها يقول حطيط «قد يتطلب الأمر إجراء اتصالات شخصية من رئيس الحكومة بالحاكم للضغط والتعجيل في الموضوع».
هناك تخوّف حاضر دائماً، بحكم التجارب السابقة، ألّا يستجيب مصرف لبنان بالسرعة الكافية
أما قدرة الدولة على التدخل لسد النقص وتجنيب الناس المذلة والطوابير التي قد تظهر مجدداً أمام الأفران فمعدومة، لعدم توفر أي مخزون استراتيجي رغم صدور قرار عن مجلس الوزراء مطلع شهر آذار المنصرم بمنح المديرية العامة للحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد سلفة بقيمة 36 مليار ليرة لبنانية لشراء 50 ألف طن من القمح لتأمين حاجة لبنان لمدة شهر. فحتى اللحظة «لم تصادق وزارة المالية على السلفة لإقرارها في مجلس الوزراء بمرسوم، على أن يقوم مصرف لبنان بتحويل المبلغ إلى الدولار لاحقاً» بحسب برباري. أما القرض من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار، الذي أعلن عنه وزير الاقتصاد منذ أقل من أسبوع والذي يهدف إلى شراء القمح والحفاظ على سعر ربطة الخبز «فيلزمه شهران ليصبح قيد التنفيذ» على ما صرح الوزير أمس.
منشأة للتخزين
يذكر أنه في شهر آذار المنصرم، «اكتشفت» الدولة وجود منشأة في البقاع تعود لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية التابعة لوزارة الاقتصاد قادرة على تخزين ما لا يقل عن 200 ألف طن من القمح، في ظل غياب أي منشأة أخرى للتخزين منذ تضرر أهراءات القمح في المرفأ منذ انفجار 4 آب عام 2019.
يوضح برباري أن «هناك بروباغندا ضخمة طاولت هذه المنشأة. فقد كشفت عليها شخصياً، وتبيّن أنها لا تتّسع لأكثر من 40 ألف طن من القمح. وبالتالي إذا استوردنا أكثر من 40 ألف طن من القمح يمكن أن نخزن الفائض في هذه المنشأة. لكننا لا نملك الأموال من الأساس للاستيراد، وأكبر دليل موضوع السلفة التي أقرّها مجلس الوزراء والتي لم تترجم عملياً حتى اللحظة رغم مرور أكثر من شهرين على الموافقة عليها».