تنطلق غداً امتحانات شهادة المرحلة المتوسطة «البريفيه»، التي تشهد صفوفها منذ عام 2020 إضرابات محسوبة وغير محسوبة. أدّى هذا التذبذب إلى عدم انتظام التعلّم. بالإضافة إلى رهان مستمرّ من التلامذة، ومن ذويهم في بعض الأحيان، على إلغاء امتحاناتها الرسمية. ولكن تصرّ وزارة التربية اليوم على إجراء الامتحانات في ظروف أقلّ ما يقال فيها إنّها استثنائية وفيها الكثير من عدم التكافؤ بين التعليم الرسمي والخاص.
قلّما تذكر عبارة “شهادة البريفيه” من دون أن تسمع من يعلّق بالقول: “يجب إلغاؤها”. بالفعل، ألغيت الشهادة ثلاث مرّات مذ عودة الامتحانات الرسمية بعد انتهاء الحرب، واستعيض عنها بإفادات: الأولى كانت مع إضراب الأساتذة في عام 2014، والثانية في عام 2020 مع الانتشار الأول لجائحة كورونا، والثالثة في عام 2021 بعد عام طويل من التعليم عن بعد وعدم القدرة على التقييم الحقيقي للحاصل التعليمي بعده.
لكن بعيداً عن الظروف الاستثنائية، يتحدّث كثيرون عن أثر الامتحانات الرسمية النفسي السّلبي على المتعلّمين من جهة، وعن عدم تقديمها لأي جديد تعليمياً من جهة ثانية.
مرحلة فاصلة
في الشكل، تُعدّ “شهادة البريفيه” فاصلة بين مرحلتين: الأساسية والثانوية. تتميّز الأولى عن الثانية بالترفيع التلقائي في الحلقتين الأولى (صف أول، ثانٍ، ثالث) والثانية (رابع، خامس، سادس)، من دون أن يعني ذلك عدم وجود امتحانات في هذه الصفوف ولكنّها غير مقرّرة. أما في الحلقة الثالثة فيصبح الترفيع وفقاً للعلامات وتبدأ إمكانية الرسوب بالارتفاع، ولكن يجب هنا التفريق بين الرسمي والخاص. ففي الرسمي، هناك احتمالية لوجود تلميذ معيد في الصف الثامن مثلاً أعلى بكثير من الخاص الذي يقوم بترفيع الجميع قبل صف البريفيه. وهذا لا يتمّ من دون مقابل، إذ ترفض بعض المدارس الخاصة “الكبيرة” تسجيل التلامذة أصحاب المستويات الأكاديمية الضعيفة في صف البريفيه، كي لا يؤدي رسوبهم إلى تخفيف نسبة الـ 100% من الناجحين “المُدوّنة على اللافتات كلّ سنة”.
إذاً تأتي شهادة البريفيه الرسمية لتقرّر انتقال التلميذ من عدمه بين المرحلتين الأساسية والثانوية. هذا الأمر فرضه النظام اللبناني غير الواضح تربوياً، كما كلّ شيء. فلا اطّلاع لوزارة التربية على ما يُدرّس في كلّ المدارس الخاصة. والأخيرة تستنسب ولا تعتمد الكتب الرسمية الصادرة عن الدولة (المركز التربوي للبحوث)، بل تدرّس ما يناسب سياستها في كلّ الصفوف باستثناء صفوف الشهادات الرسمية. من هنا لا إمكانية لمعرفة مدى تحصيل التلميذ للأهداف التربوية الموضوعة من قبل الدولة إلّا عبر امتحانات رسمية، أوّلها: امتحان “شهادة البريفيه”.
مع الامتحانات ولكن
أستاذة علم النفس في كليّة التربية الدكتورة غادة أسعد ترى أنّ “الامتحانات تحوّلت إلى طقوس”. توضح أنّها مع إجراء الامتحانات لكنها تقدّم عدداً من الملاحظات منها أن “تكون لتقييم المنهج لا التلميذ أو الأستاذ، وبقاء هذه الشهادة يجب أن يكون لفحص المهارات بحسب النمو والخصائص العمرية”، لافتة إلى أنه لا يوجد لدى كلّ التلامذة “الاستعداد الفكري والعاطفي والنمائي نفسه؟”. كما تشير إلى أنه “في الكثير من الأحيان تُطرح أسئلة تافهة في الامتحانات الرسمية على تلامذة أذكياء فلا يحصلون على علامات جيّدة”. وتختم بمشكلة المدارس اللبنانية “التي لا تكتشف الحالات الخاصة (الصعوبات التعلّمية) إلا في صف البريفيه، أي بتأخير يزيد عن السنوات السبع”.الأجدى وضع تقييم تشخيصي لكلّ التلاميذ العائدين بعد التوقف القسري عن التعليم
بدورها تؤكد رئيسة مركز الأبحاث التربوية الدكتورة سوزان عبد الرضا أن “شهادة البريفيه ضرورية في ظلّ فاقد تعليمي، ولكن ليس بشكلها الحالي”. توضح “كان من الأجدر وضع تقييم تشخيصي لكلّ التلاميذ العائدين بعد الإغلاق العام والتوقف القسري عن التدريس، وإعادة صياغة الأهداف التعليمية على أساس هذا التقييم”. وترى سوزان “أميّة في القراءة والكتابة لدى تلامذة الصفوف الأساسية وأميّة مقنّعة في المرحلة الثانوية”. وتسأل عن “ماهية الشهادة اليوم، هل هي مكافأة للتلاميذ والأهل على فشل النظام التعليمي؟”. وتختم رافضةً كلّ “الإيجابية المدّعاة في إجراء الامتحانات” التي تصفها بأنّها “عملية إعادة تدوير للفشل”.
تلامذة «البريفيه» في الثانوي
الموقف نفسه تجده لدى أساتذة المدارس. يقول ابراهيم، أستاذ تعليم ثانوي، إنه “مع عودة السرتيفيكا لا إبقاء البريفيه فقط”. فهو يرى أنّ “أي إلغاء لهذه الشهادة يعني انهياراً للتعليم الثانوي”. شهادة البريفيه برأيه “سيئة بمعايير اليوم، ولكن لا يمكن التفكير في إلغائها قبل تغيير المناهج كلّها”. ويضيف أنّها “تكشف مكامن الضعف في التعليم الأساسي وتحافظ على مستوى معيّن في التعليم الثانوي. من غير المقبول ترفيع تلميذ إلى العاشر (الأول ثانوي) لا يعرف كتابة اسمه”.
بدورها تلفت سمر، أستاذة تعليم ثانوي في مادة الكيمياء، إلى أنّ “المعاناة تكبر يوماً بعد يوم مع التلاميذ الذين أنهوا البريفيه وبدؤوا المرحلة الثانوية” معيدة السبب إلى أمرين: الأول يتعلق بـ “طرائق التعليم المعتمدة في المرحلة الأساسية، القائمة بجزء كبير على الحفظ حتى في المواد العلمية”. والثاني يدور حول شكل المنهج اللبناني السهل والمتساهل في المرحلة الأساسيّة، والأكثر صعوبة وتعقيداً في الثانوي. هذا الأمر يُدخل التلميذ في “الضياع” سيّما في صف الأول ثانوي “الأصعب في المرحلة المدرسية” حسب قولها. ففي التعليم الرسمي نجد نسباً عالية من الرسوب في هذا الصف تحديداً، ونسبة لا بأس بها من التسرّب المدرسي تحصل هنا. أما من يقطع هذه السّنة بأمان فيمكن الاعتبار أنّه أنهى المرحلة الثانوية.
نصف شهادة!
يدور النقاش أعلاه، فيما تشهد امتحانات هذه السنة إلغاء لموادّ وتخفيضاً لأخرى، ما يسمح بالقول إننا أمام نصف شهادة أو أقلّ. وما تمّ تخفيفه عن التلميذ والأستاذ فهما سيدفعان ثمنه في المرحلة الثانوية. الأهداف في هذه المرحلة ما زالت على حالها وهناك موادّ لا يمكن استكمالها من دون تعليم ما ألغي في البريفيه. على سبيل المثال مبدأ “المول وحساب كمية المواد” في الكيمياء ألغي من صف البريفيه بينما كلّ المادة في المرحلة الثانوية تقوم عليه. هذا الأمر يعيد النقاش في الإلغاءات إلى نقطة المنهجية المعتمدة فيها، والسؤال الذي يدور في أذهان الأساتذة على الأرض: “على أيّ أساس تمّت؟”
الجهوزية للامتحان
الملاحظة الثانية على امتحانات اليوم أنه لا يمكن المقارنة في تحصيل الأهداف التعليمية هذا العام بين القطاعين الرسمي والخاص. الثاني بدأ التدريس باكراً وسحب كلّ المتردّدين من المدارس الرسمية، دون إقفالات أو إضرابات إذ أنهى ما هو مطلوب و”زيادة”. بينما القطاع الرسمي كان في “قسم العناية المشدّدة”، أساتذة وتلاميذ، و”لحقناهم لحوقاً” حسب إفادة أحد الأساتذة. هنا كان للإلغاءات والمواد الاختيارية دور “إيجابي”، تمثّل في ابتعاد كثير من تلاميذ البريفيه عن اختيار مادة الفيزياء بسبب محتواها الأصعب من غيره. فالامتحانات ستكون هذا العام بثلاث مواد إجبارية: لغة عربية، لغة أجنبية ورياضيات. وبمادّتين اختياريّتين، الأولى يختارها التلميذ من مجموعة المواد العلمية: كيمياء أو فيزياء أو علوم طبيعية والثانية من مجموعة المواد الأدبية: تاريخ أو تربية أو جغرافيا.