Site icon IMLebanon

جسور التواصل بين بكركي والرابية.. مقطوعة

الراعي لا يستسلم: المهمّ أي رئيس!

جسور التواصل بين بكركي والرابية.. مقطوعة

في 17 كانون الثاني 2016، شوهد العماد ميشال عون في بكركي. الزيارة، وهي الأخيرة هذه السنة، لم تكن عادية. أتى «الجنرال» على عجل لزفّ خبر التفاهم «التاريخي» مع سمير جعجع، «بعدما كانت الزيارات الى بكركي تتمّ في المرحلة السابقة لطرح المشاكل، أتينا اليوم حاملين خبراً سارّاً لبكركي».

انتظر العونيون لاحقا، تحرّكا بطريركيا يتبنّى «الخبر السار»، لكنهم لم يلقوا سوى «إنذارات» متكرّرة بضرورة النزول الى مجلس النواب والاقتراع لأي مرشح «لأن المهم انتخاب الرئيس». وجد من يهمس في أذن البطريرك بشارة الراعي «بأن التكرار الذي لا يلقى التجاوب لن يكون مفيدا لهيبة بكركي»، لكن الراعي لم يستسلم.

يجزم المحيطون بالبطريرك الراعي أن «الاتفاق الرباعي» الذي شهدت عليه بكركي، «لم يحصر المواصفات الرئاسية ولا الترشيح بميشال عون وسمير جعجع وأمين الجميل وسليمان فرنجية فقط، وبأن العجز عن التوافق على أي منهم سيقود مجدداً للبحث في أسماء جديدة منعاً لإحداث شغور في الموقع الماروني الاول».

قد يفسّر ذلك الحديث المتقطع عن لائحة رئاسية أو مرشحين يفضّلهم الراعي على «الموارنة الأقوياء». تم الاتفاق أيضاً، بتأكيد هؤلاء، على حضور جلسات الانتخاب وممارسة الحق الديموقراطي بكل أشكاله.

على ضفة الزعماء الموارنة الأربعة، تختلف الاجتهادات. فسّر كل طرف الاتفاق المكتوب، وملاحقه، وفق ما فهمه. لكن ما لم يقدّر للرابية أن تستوعبه هو كيف لرأس الكنيسة أن يجمع القادة الموارنة ويعطيهم فسحة لرسم معالم رئيس الجمهورية المقبل، ثم تدير البطريركية ظهرها لاتفاق مسيحي يفترض بحدّ ذاته أن يعكس المغزى الأساس لاتفاق بكركي: وصول المسيحي القوي الى بعبدا.

خلال عامين ونصف عام من الشغور الرئاسي، استمعت الرابية الى المعزوفة البطريركية التي تدرّجت من التنبيه من الفراغ وصولا الى اتهام مقاطعي المجلس «إمّا بخيانة وظيفتهم، وقد وكّلهم المواطنون الذين انتخبوهم لهذا العمل الشريف، وإمّا بالخوف على مصالحهم الشخصية».

وفيما كان عون، ممسكاً بيد جعجع، يرفع الصوت بأن «خيانة» البلد والدستور تكون بإيصال رئيس بلا حيثية مسيحية وشعبية الى قصر بعبدا، كان الراعي لا يزيح قيد أنملة عن ثوابته متّهما من يقاطع جلسات مجلس النواب «بطعن كرامة رئاسة الجمهورية».

وردّا على معادلة «الرئيس المسيحي القوي» التي لم تغادر أدبيات الرابية، كان الراعي يضفي على رؤيته للرئيس العتيد شيئا من الشاعرية «فالبطريركية تريد رئيساً غنيّاً بشخصيته وأخلاقيته وتجرّده ونظافته وحاضره لا يخجل من ماضيه، رئيساً قادراً على تحمّل مسؤوليات الظرف الحاضر، ويكون على مستوى التحدّيات»!

ومثل هذا الرئيس، يقول الراعي، يأتي فقط بنتيجة عمليات الاقتراع اليومية والتشاور بين الكتل النيابية، وأن الرئيس الذي يُنتخب بهذه الطريقة، يكون الرئيس الأفضل والأنسب والمنشود.

يقولها الراعي بطريقته: لا استفتاء ولا تعديل دستور ولا «تسوية ميثاقية» تولد من رحم مجلس نواب لا يعترف عون بشرعيته، ولا قانون انتخابات يسبق الرئاسة.. «تفضّلوا وانتخبوا رئيسا»!

لكل ذلك، قطعت جسور التواصل بين الرابية وبكركي في اللحظة نفسها التي زفّ فيها عون الخبر السعيد لرأس الكنيسة. حركة الموفدين والأصدقاء وسعاة الخير بين الطرفين لا تتوقف، لكن همّة «الجنرال» صوب بكركي «باتت ثقيلة جدا»، عدا أن «الضرب» الأخير الذي وجّهه الراعي لعون وجعجع برعايته حفل تدشين كنيسة الدر العجائبية زاد في طين العلاقة بلّة.

منذ نحو سنتين، كان النائب وليد جنبلاط قد تواصل مع النائب فريد الياس الخازن وأخذ منه كل المعطيات التاريخية عن كنيسة آل الخازن في المختارة، وعمد بعدها الى طبع صورتها على بطاقات معايدة في عيدي الميلاد ورأس السنة، وانتهى الامر باحتفال كبير «قوطب فيه جنبلاط»، كما تقول أوساط الرابية، «على القيادات المسيحية وتعاطى معهم مثل «الكومبارس»، فيما «يصدف أن الراعي لا يفوت مناسبة، إن كانت تدشينا لكنيسة أو تلبية لدعوة غداء أو جولات في المناطق أو كسرا للمسافات بين بكركي ومطارات العالم»، على حد تعبير الأوساط نفسها.

في المحصّلة، العونيون مستاؤون جدا من أداء الراعي لكن ليس الى درجة فتح معركة ضدّه كما حصل مع البطريرك نصرالله صفير. الحياد حيال الكنيسة في معركة رئاسية مصيرية من هذا النوع أمر واجب ولا تنفع معه المواجهة. والبطريرك الذي يفضّل أن يزور بدلا من أن يُزار لا يهابه عون كما كان يهاب سلفه.