في معزل عمّا يُمكن أن يقود إليه الإجتماع الموسّع الذي عقد أمس بين رئيس الحكومة وممثل البطريركية المارونية وممثلي الأحزاب المسيحية: الكتائب، «القوات»، «التيار الوطني الحر»، «المردة»، والطاشناق للبحث في ردم الحوض الرابع من مرفأ بيروت، فإنّ الأوساط المسيحية تتداول معلومات خطرة عن مخالفات دستورية وهدرٍ للمال العام بالمليارات. فما هي وجهتا نظر الرافضين والمؤيّدين؟
قبل أن يُقفل مجلس الوزراء ملفّ جمع وكنس وطمر النفايات الصلبة، وفي انتظار المعالجات لإستمرار العمل في «مطمر الناعمة» قبل فتح سلسلة مطامر في الأقضية اللبنانية، فُتح ملفّ مشروع «ردم» أو «طمر الحوض الرابع» في مرفأ بيروت للفوز بمحطّة مستوعبات جديدة للتخزين وتفريغ الحديد، بحجّة أنّ ما هو مخصَّص من محطات ضاقت به المساحات الواقعة في حرم المرفأ، بدلاً من السعي الى توسيع أحواضه بهدف تعزيز قدراته الإستيعابية، وهو الذي يَجمع في موقعه وعمقه مميّزات تفتقدها موانئ ومرافئ الحوض الشرقي للمتوسط.
وتكشف المعلومات المتداوَلة على نطاق ضيق أنّ النقاش الدائر فرَضته قرارات إتخذتها إدارة مرفأ بيروت ووزير الوصاية، أيْ وزير الأشغال العامة والنقل، وبتوقيع رئيس الحكومة، لردم الحوض الرابع الذي يُعتبر أحد أكبر أحواض المرفأ، ويمتدّ بطول 400 متر وعرض 200 متر ومساحة 60 الف متر مربع. فضلاً عن كونه من الأحواض العميقة الذي يقارب 14 متراً وبكلفة عالية تقارب 195 مليار ليرة لبنانية، أيْ ما يوازي 130 مليون دولار.
ويُصرّ المعترضون بالإجماع على الردم، أنّ مخالفة قانونية ودستورية كبيرة ارتُكبت بقدرة قادر. فقرار الردم لا يتمّ بقرار من إدارة المرفق العام ووزير الوصاية، وقد إقتضى إنشاؤه في عهد الرئيس الياس الهراوي عام 1996 إصدارَ مرسوم جمهوري، وبالتالي أيّ تصرّف بمصيره يفرض على الأقل صدور مرسوم مماثل.
وفي علم الجهات التي تُناقش تفاصيله التقنية والمالية والإدارية والجدوى الإقتصادية، معلومات خطرة دفعت بالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى زيارة السراي قبل أيام للفت نظر سلام اليها، وإلى المخاطرالمترتبة على محيط مرفأ في حوض المتوسط ومستقبله.
وفي بعض المعطيات، حديث مستفيض عن فروق بالغة في الكلفة التي خُصّص لها مبلغ 130 مليون دولار، أيْ 195 مليار ليرة لبنانية. وهم يقدِّرون أنّ 70 مليون دولار، أيْ 105 مليارات من الليرات اللبنانية منها ستضيع جراء الصفقة وتُوزّع قبل الردم وخلاله وبعده على لائحة من «قشطة القوم»، النافذين من فئات وأطراف تحكّمت وما زالت بالمرافق العامة والمرفأ واحد منها. وبذلك لا تتجاوز كلفة العملية لو كانت قانونية، الـ60 مليون دولار، أيْ 90 مليار ليرة لبنانية.
وعلى مستوى الجدوى الإقتصادية للمشروع، يقول العارفون إنّهم لم يروا في الخطوة أيّ جدوى، فمحطات المستوعبات على الرصيف 16 ما زالت تتّسع لمزيد من المستوعبات ولا حاجة لتوسعتها قبل العام 2020. وفي تقرير الشركة التي تدير المحطة «تي سي تي سي» إشارة الى أنّ إشغالها لا يتجاوز 50 في المئة من قدراتها.
وفي حال نفذت قدراتها الإستيعابية، ما الذي يَمنع إقامة محطة للحاويات على مساحة من الغازون قرب الأسواق الإستهلاكية ومسلخ بيروت، وهي بمساحة 30 الف متر مربع، أو في منطقة ما من ردميات «لينور» بدلاً من ردم حوض لا يمكن الإستغناء عنه بمواصفات لا تتوافر إلّا في مرفأ حيفا الإسرائيلي في عمقه وموقعه، ويتّسع للبواخر البريطانية والروسية والأميركية العسكرية التي تزوره للتزوّد بالمؤن والمحروقات من فترة لأخرى، ولا يمكن الإستغناء عن هذه الميزات ومردودها بالسهولة التي يتوقعها البعض.
وفي المعلومات أيضاً أنّ مشروع إقفال الحوض سيدفع الى نقل بواخره الى الحوض الثالث، وهو مشغول بنسبة 94 في المئة حالياً. ولذلك سيبقى امام الإدارة أن تنقل بواخر المواشي الى الحوض الثاني لتتشارك الرصيف عينه وعمليات تفريغ القمح في إهراءات المرفأ، وهو أمر خطير يمسّ حملة سلامة الغذاء التي تخوضها الحكومة.
ومن دون الدخول في تفاصيل وأرقام كثيرة لا يتّسع لها المقال، يتّهم أصحاب هذا الرأي منفذي العملية بأنّهم مقتنعون باحتمال إمرارها في غفلة في زمن الشغور الرئاسي، إذ لا تنمّ عن وجود استراتيجية متكاملة لإدارة المرافئ والموانئ اللبنانية.
لذلك، لم يظهر لهم الى اليوم – ما لم يظهر العكس – سوى أنها عملية مشبوهة تكشف عملية تزوير كبيرة تفوح منها روائح كريهة تطمر مليارات عدة من الليرات الى جانب الردميات.