قد يكون من المبكر القول إنّ ملفَ ردم الحوض الرابع بات من الماضي طالما أنّ هناك مَن سيسعى لإستغلال أيّ لحظة لفرض أمر واقع جديد. فالرسالة الحاسمة التي تبلّغها المعنيون باسم الأحزاب المسيحية الخمسة توجّهت مباشرة الى حماة المشروع ما قد يؤدّي تلقائياً الى وقف العمل في تعديل جغرافية المرفأ ليدخل المشروع في تاريخه. فهل يمكن ذلك؟
قبل أشهر عدّة التقت جهات سياسية وحزبية في مشروع استثماري ضخم تجاوز الإنقسامات الداخلية بين «8 و14 آذار»، لوضع اليد على مرفأ بيروت وتغيير وجهة إستعماله من خلال ردم الحوض الرابع فيه بعد ردم الخامس في غفلة من الزمن ومن دون ضجيج، ما أحيا المخاوف على دور المرفأ وعدم بقائه مرفقاً عاماً لجميع اللبنانيين بلا إستثناء.
تجمّعت التقارير في شأن المشروع وتاريخه وما فيه من مخالفات، فاكتشف المعنيون أنّ هناك محاولة لخرق الدستور وتجاوز ما تقول به القوانين. فالحوض الذي أنشِئ مع جاره الحوض الخامس عام 1996 بمرسوم جمهوري أيامَ الرئيس الياس الهراوي قد تقرّر ردمه بقرار إداري من هيئة إدارة المرفأ الموقتة، وأنجزت كلّ الترتيبات الإدارية لتنفيذه بالتراضي بمبلغ 130 مليون دولار وكلّفت شركة حورية بعملية الردم.
وفي الوقت الذي لم يتحرّك فيه أحدٌ عندما جال الملف على المراجع الكبرى في غياب رئيس الجمهورية، تبنّت بكركي العملية وشاركتها الأحزاب المسيحية الخمسة مجتمعة.
وبدأت المواجهة مع الهيئة الموقتة لإدارة المرفأ ودخل على الخط متعهّد المشروع فلم يغيّروا شيئاً في المعادَلة ولم يظهر انهم مستعدون للوقوف عند الملاحظات الخطيرة التي وضعها ممثلو الأحزاب وإختصاصيون شكّكوا في جدوى العملية والخطوات البديلة التي تحمي الحوض ومميّزاته الفريدة على الجانب الشرقي من المتوسط.
وعلى الطريق إكتشف ممثلو الأحزاب الخمسة أنّ مساعيَهم بهدف تصحيح الإجراءات ونقل الملف الى مجلس الوزراء لتصحيح ما يمكن تصحيحه امرٌ مستحيل، على رغم المساعي التي بذلها المدير العام للأمن العام ومعه آخرون دخلوا على خط المفاوضات بين النقابات المعترِضة وإدارة المرفأ وبكركي بلا جدوى.
واستمرّ الوضع على مراوحته الى أن تبلّغوا قبل فترة عبر وزير سابق أنّ رئيس الحكومة الذي رفض إدراجَ الملف على جدول أعمال مجلس الوزراء يُصرّ على تنفيذ المشروع وسيستكمله أيّاً كانت المواقف منه.
وإزاءَ هذا التطوّر المرفوض، تكثّفت اللقاءات في بكركي ودخل وسطاء على الخط بلا نتيجة الى أن توجّهت الأحزاب المسيحية برسالة الى مَن يعنيهم الأمر مفادها:
– أنّ الإستمرار في عملية الردم مشروعُ مشكلة كبيرة وإن حُدّد موعد وقوعه ليس من السهل معرفة ما يمكن أن يؤدّي اليه. فالعملية لن تمرّ بهذه البساطة وأيّ سعي الى فرض أمر واقع جديد لن يمرّ وإهمال ملاحظات الأحزاب الخمسة قد يكون جريمة لا تُغتفر.
– أنّ الرهان على تطويع النقابات في المرفأ محاولة فاشلة. فالعملية لم تعد في يدها وأنّ ممثلي الأحزاب قرّروا اللجوءَ الى أيّ وسيلة تمنع تنفيذ المشروع في ضوء دراسات انتفاء الجدوى من ردم حوض بمثل مميّزاته عمقاً وسعة في ظلّ ما هو متوافرٌ من مساحات برّية.
– أنّ محاولة تكرار التجارب السابقة أيام اللواء رستم غزالة عندما مورست الضغوط بما رافقها من مصادرة الوثائق لإمرار المزايدة العمومية لإدارة محطة الحاويات في المرفأ قد ولّت، ولم يعد هناك رستم غزالي آخر في بيروت.
– أنّ محاولة وضع اليد على المرفأ بطريقة ملتوية لن تمرّ والأحزاب المسيحية الخمسة أجمعت على حماية مصالح اللبنانيين. وأنّ محاولات تصوير المواجهة وكأنها لمصالح المسيحيين دون غيرهم من اللبنانيين محاولة فاشلة وظالمة لا يمكن أن تستمر. فالحقائق تتجاوز هذا المنطق، ومن الظلم ربط الملف بمصالح مسيحية ضيقة.
– أنّ الأحزاب المسيحية ابلغت إلى النقابات ألّا تتحرك في حال استؤنف الردم لأنّ العملية إذا تكرّرت سيكون القرار بيد الأحزاب المسيحية وربما من طلابها ومحازبين من مختلف الأعمار، وستتجمّد الحركة في المرفأ نهائياً وليتحمّل مَن يتلاعب بالملف مسؤوليته الى النهايات.
وأمام هذا الواقع الجديد تجمّدت كلّ مشاريع الردم نهائياً ما يعني أنّ الرسالة وصلت وفُهمت. وهو ما طرح السؤال: هل فعلاً دخل مشروع الردم تاريخَ المرفأ بعد خروجه من جغرافيته؟ لا جوابَ حاسماً في هذه اللحظات، لكنّ الأيام المُقبلة ستحمل الجواب!